إنا نسأل النصاری: هل یوصف الباری -سبحانه- بالجهل بالغیب أو لا؟ فإن وصفوه بذلک؛ تجاهلوا، إذ التوراة والإنجیل و سائر کتب التنزیل تشهد بأنه تعالی عالم بالمغیبات، محیط بما تحت تخوم الأرضین إلی أعلی السموات (ألا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ(؟
فإن قالوا: إنه لا یصلح من هذا حاله للربوبیة. ترکوا ما یهتفون به من ربوبیة المسیح إذ سئل علیه السلام عن القیامة و عن یومها. فقال: لا أعرف یومها و لا ساعتها و لا یعرفها إلا الله وحده. و قال لمریم و مرثا -أختی لعازر- حین مات: أین دفنتموه؟ و قال علیه السلام لرجل: «منذ کم أصاب ابنک هذا المرض؟» و قصد شجرة تین لیصیب منها، فلم یجد بها ثمرة فدعا علیها، و جاءته الکنعانیة مؤمنة
به، فلم یعلم بإیمانها.
فهذا مصرح بأن المسیح علیه السلام لا یعلم إلا ما علمه الله ربه و إلهه. و فی ذلک تکذیب لقولهم فی الأمانة التی لهم. إذ یقولون: إن المسیح إله حق و إنه خالق کل شیء، و إنه بیدیه أتقنت العوالم. فإن کانت الأمانة صحیحة؛ فقد کذب الإنجیل، و إن کان الإنجیل صحیحا؛ فقد کفر من عقد لهم هذه الأمانة، التی هی فی الحقیقة فساد الأمانة.