جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الکذب فی التوراة

زمان مطالعه: 17 دقیقه

فضیحة أخری:

لازمة للنصاری والیهود و هی ما اشتملت علیه کتبهم من الاختلاف والتکاذب. و قد ذکرنا فیما تقدم نبذا من ذلک لیستدل بها من وقف علی قلة ضبطهم لدینهم.

و لنذکر ههنا ما وقع فی التوراة من التکاذب.

فمن ذلک:

ما وقع فی تاریخ عمر آدم و أعمار مشاهیر أولاده. ففی نسخة من نسخ التوراة: أن آدم عاش مائة و ثلاثین سنة، ثم ولد علی شبهه ولد فسماه شیت، و فی نسخة أخری: أنه لم یرزق شیت حتی صار له من العمر مائتان و خمسون سنة. و عاش آدم بعد أن ولد له شیت ثمانمائة سنة، فولد له بنین و بنات. ثم مات و کان جمیع عمر آدم تسعمائة سنة، و فی نسخة: ألف و ثلاثون سنة.

ثم عاش شیت مائة و خمس سنوات فولد له أنوش، و عاش من بعد ما ولد أنوش تسعمائة واثنتی عشره سنة ثم مات و فی نسخة تسعمائة و سبع سنین. ثم رأیت هذا التناقض والتکاذب جاریا فی أعمار مشاهیر أولاد آدم إلی نوح علیه السلام، فلم تکد نسخة توافق أخری. و إذا کان هذا ضبطهم للتوراة. و هی أس دینهم. فکیف یوثق بهم فیما عداها؟

و لیس یمکن إضافة هذا التحریف إلی سواهم. فإن التوراة لم ینقلها من اللسان السریانی إلی غیره إلا الیهود. و ذلک یشعر بتهاونهم بأمور دینهم، و إلا فکیف یحسن أن یخبر عن شخص أن عمره مائة سنة، و أن عمره خمسین سنة و یکون الخبران صدقا؟

و إذا کان هذا تحریفهم لما لا یتعلق به غرض. فما ظنک بتحریفهم لما یتحققون به الدلالة علی نقض أصولهم. و ذلک من مرغوبات النفس وجب الانتصار والتعصب القاضی بعمی البصیرة؟ و لن یتخلص من ذلک إلا موفق قد أعانه الله علی قمع هواه. و جعل الحق مطلوبه، والانقیاد إلیه مراده و مقصوده. فهو ینقاد إلیه. حیث دعاه لباه، و لو علی لسان عدوه. و بذلک وعد الله تعالی فقال عز من قائل: (و‌َ نَهَی النَّفْسَ عَنِ الْهَوَی. فَإنَّ الْجَنَّةَ هِیَ الْمَأوَی(.

فضیحة أخری:

زعم النصاری أن المسیح أراد بتل نفسه تطهیرهم من خطایاهم، فیقال لهم: تطهیر من آمن به واتبعه أو تطهیر من کفر به و خالفه؟ فإن قالوا: تطهیر من کفر به. قلنا لهم: کیف یطهرهم یرید تطهیره. فإنه لا یزید المحل إلا نجاسة، و علی هذا ینبغی أن یکون الیهود الذین قتلوه و صلبوه والأسخریوطی الذی نم علیه و نمرود و فرعون قد طهروا من خطایاهم، و کذلک الهنود والمجوس و کل کافر علی وجه البسیطة. و إن قالوا: إنما أراد تطهیر من آمن به واتبعه. قلنا:‌ فکیف تکون معصیة العدو طهرة للولی؟ و إنما یطهر الإنسان عمله الصالح و توبته الصادقة دون کفر من کفر. ثم إن کانوا قد آمنوا بالمسیح؛ فإیمانهم یطهرهم. فلا حاجة إلی قتل المسیح و صلبه.

و إن قالوا: إنما أراد تطهیر الحواریین. فیقال: و ما هذا الذنب الذی لا یطهره إلا قتل الله و صلبه؟ و ینبغی أن یکون الحواریون شرار خلق الله: إذ کان لا یطهرهم إلا هذا الغسل الذی لا یشابهه غسل. فلیت شعری أی ذنب لقوم عند النصاری خیر من جبریل و میکائیل و سائر النبیین والمرسلین؟

و إن قالوا: إنما أراد بتسلیمه نفسه لیتهذب الخلق و یتعلموا الصبر علی الشدائد والمحن و لا یضطربوا تحت مجاری الأقدار لیفوزوا بأجور الصابرین. قلنا: فإصلاحه لقلوبهم بخلق الصبر فیها والاحتمال، مع بقاء جلاله و عظمته کان ألیق بالربوبیة. فإن کان إلها قادرا فهلا أصلح قلوبهم، و هذب نفوسهم. من غیر أن

یتلبس بما وصفتم من الصفح والضرب والقتل والصلب لیصلحهم.

ثم أی صلاح یظهر فی العالم بقتله؟‌و أی فساد زال؟ ألیس العالم علی ما کان علیه قبل مجیئه؟ السارق یسر، والفاسق یفسق، والقاتل یقتل، والظالم یظلم، و أسواق الشرور قائمة، و عیون الشیاطین عن إغواء الآدمیین غیر نائمة، بل قد زادت الشرور بما ذکرتم زیادة کثیرة، لأن أهل العالم بزعمکم قتلوه و صلبوه و نکلوا به و بتلامیذه الذین هم عندکم أفضل من الأنبیاء والمرسلین. فقد تفاقمت الشرور، واتسعت بمصرعه دائرة المحذور. و قد کان أهل العام قبل مجیئه یعبدون الله تعالی، و إن عبد صنم ففی العقول السلیمة مندوحة عن المتابعة علیه، فلما جاء هذا الذی زعمتم أنه قتل و صلب، عبد مع الله غیره.

و إن کابرتم و قلتم: إن الخطیئة قد ارتفعت بمجیء المسیح و قتله؛ صرتم ضحکة بین العقلاء. علی أنکم قد تأنستم بإزراء العقلاء بکم، و تمرنتم علی السخریة منکم. ألستم الذین تقرءون بعد الفطر بجمعتین التسبیحة‌ المشهورة عندکم و هی: «بصلبوت ربنا یسوع المسیح، بطل الموت وانطفأت فتن و درست آثارها«؟ ألستم تقرءون یوم الأحد من الصوم التسبیحة المشهورة عندکم و هی: «إن المسیح هو الذی أنقذ رعیته من الفتن والکفر و غلب بصومه الموت والخطیئة«؟ ألستم الذین تقرءون بعد کل قربان: «یا ربنا یسوع الذی غلب بوجعه الموت الطاغی«؟ کذلک قولکم فی ثانی جمعة من الفطیر: «إن فخرنا إنما هو بالصلیب الذی بطل به سلطان الموت، و صرنا إلی الأمل والنجاة بسببه«.

و فی هذه التسابیح التی کم ما یضحک من تأملها. إذ یحسن منه أن یقول: کیف بطل الموت بصلب المسیح و موته؟ ألسنا نری الموت فاغرا فاه. لا یشبع والشیطان مستمرا علی الإضلال والإغواء لا یقلع؟ و أنی یغلب الموت من قد مات و غلب، و یقهر الشیطان من قد قهر و صلب؟

فضیحة أخری:

النصاری یقرءون فی الصلاة الأولی و هو التی یسمونها صلاة السحر و صلاة الفجر: «تعالوا نسجد و نتضرع للمسیح إلهنا. أیها الرب خروف الله. ارحمنا، أنت

وحدک القدوس المتعالی. أیها المسیح الرب إنا بکل کل یوم إلی الأبد«.

واعلم: أن هذه الصلاة للمسیح خاصة. و قد صرحوا فیها بأن المسیح هو الله الرب، و أنه وحده المتعالی المبارک إلی الأبد. و هو کما تری الکفر الصراح الذی لا غبار علیه. و هو باطل التوراة والإنجیل والنبوات والمزامیر. فأما التوراة فلیس فیها شیء من هذه النجاسات ألبتة، بل هی مشحونة بتوحید الباری إله إبراهیم و تنزیهه و إفراده بالربوبیة. و قد قال فی السفر الخامس منها: «الرب الواحد فی السماء والأرض و لیس غیره» (1) و قال سبحانه فی العشر الکلمات: «أنا الله الذی أخرجتک من مصر؛ لا یکن لک إله غیری» (2) و قال الله تعالی فی التوراة: «لا تتخذوا أصناما و لا أشباها. مما فی السماء فوق و لا فی الأرض أسفل و لا فی البحر تحت، و لا تسجدوا لها و لا تعبدوها. أنا الله إله غیور» (3) و قد کلم الله فی التوراة آدم و نوحا و إبراهیم و یعقوب و موسی و هارون و أمرهم و نهاهم. و کذلک یقول: «أنا الله وحدی» و قال الله لموسی: «أنا الله إله آبائک إبراهیم و إسحق و یعقوب. لا یکن لک إله غیری» (2).

فحذرهم من الإشراک واتخاذ إله آخر. و ذلک من أدل الدلیل علی کفر النصاری و أما الإنجیل. فقال المسیح: «لا یقدر أحد أن یعبد ربین» (4) و قال: «لا صالح إلا الله الواحد» (5) و قال: «أول الوصایا کلها فی الناموس: اسمع یا إسرائیل الرب الإله واحد هو. فأحببه من کل قلبک (6) و قال المسیح للیهود: «أنتم تمجدون نفوسکم و لا تمجدون الله» (7) و سئل عن القیامة (8) فقال: «لا یعرفها إلا الله

وحده» (9) و رفع وجهه إلی السماء و قال: «أنت الإله الحق وحدک» (10).

و أما المزامیر والنبوات. فکلها توحید أیضا و لیس فیها من کفر النصاری شیء ألبتة. قال داود فی المزامیر السابع عشر: «الله لا ریب فی سبله، کلام الرب مختبر، و هو منجی من توکل علیه. لا إله إلا الرب، لا عزیز مثله» (11) و قال فی المزمور التاسع عشر: «الرب یستجیب لک، فی یوم شدتک، إله یعقوب ینصرک، و یرسل لک عونا من قدسه، و من صهیون یعضدک سؤلک، هؤلاء بالخیل و هؤلاء بالمراکب، و نحن باسم إلهنا ندعو» (12).

فقد وضح لک: أن هذه الصلاة التی للنصاری مقصورة علی عبادة رجل من بنی آدم، و أنها باطلة بما نصت علیه کتب الله المنزلة.

فضیحة أخری:

النصاری یقرءون فی صلاة الساعة الأولی: «المسیح الإله الصالح الطویل الروح الکثیر الرحمة الداعی الکل إلی الخلاص» هذه الصلاة من النمط الأول. و هی باطلة بشهادة المسیح. إذ نطق الإنجیل بأن إنسانا قال: «یا معلم صالح ما أعمل من الصلاح؟ فقال: أتدعونی صالحا؟ لا صالح إلا الله وحده» (5) و إذا لم یرض المسیح أن یکون معلما صالحا، بل أنکر ذلک و أولی الصلاح لله وحده. فکیف تخطی النصاری أمره و زادوا حتی سموه الإله الصالح؟ و إذا أنکر علیه السلام القول الأول فالأولی أن ینکر هذه الصلاة و هذه القراءة، ثم قول النصاری: «المسیح الإله الصالح» و تخصیصه بذلک دون الآب والروح القدس؛ فیه إبطال لمذهبهم فی الثالوث. إذ لا خلاف عندهم: أن التعبد لأقنوم الکلمة علی تجردها لیس بجائز، إی الإله المحقوق بالعبادة هو عبارة عن ثلاثة أقانیم. و هی الأب والابن والروح القدس.

فما لم یتوجه المکلف بالعبادة إلی هؤلاء الثلاثة؛ لم تعتبر عبادته. فإذا قصدوا المسیح بهذه الصلاة؛ فإنما قصدوا أقنوما واحدا. والمسیح عندهم ما اتحد به، سوی العلم. فأما الأب والروح فما اتحدا به. ثم هذه القراءة منهم تشعر بأن المسیح أصلح الثلاثة. ثم لا یخلو أن یقصدوا بهذا القول لاهوت المسیح أو ناسوته. فإن قصدوا ناسوته؛ -لزمهم أن یکون الجسد المخلوق إلها خالقا. و ذلک جهل. و إن قصدوا لاهوته -و هی صفة العلم- لزمهم أن تکون صفات الله من العلم والقدرة آلهة معه. و ذلک لا یقول به عاقل.

و أما قولهم‌ «الطویل الروح» فإن عنوا به الروح التی زعموا أنها جاءته عند المعمودیة؛ فتلک إن کانت قدیمة لم یصح وصفها بطول و لا قصر. إذ کل ما دخله المساحة و کان له طول و عرض و عمق؛ فهو جسم مخلوق حادث؛ و إن عنوا به روح الإنسان علی معنی أن المسیح صبر فی زعمهم علی إهانة الیهود مع قدرته علی الأنتصار؛ فقد ناقضوا قولهم: إنه الإله الصالح. إذ الإله هو الذی لا تمتد إلیه الأیدی، و هو الذی یأمر عباده بالصلاح. و أما من یشرع الفساد فلا یستحق اسم الصلاح. و أما قولهم: «الداعی الکل إلی الخلاص» فتقول: أدعاهم و أراد هدایتهم أم دعاهم و لم یرد ذلک؟ فإن کان قد دعاهم و لم یرد هدایتهم؛ فقد ظلمهم بعدم إرادة هدایتهم. و قد فعل الشر و ضد الصلاح. و هذا یهدم أصول النصاری فی القول بالتحسین والتقبیح، و إن زعموا أنهم قد اهتدوا بدعائه أکذبهم شاهد الوجود.

فضیحة أخری:

النصاری یقرءون فی صلاة الساعة الثالثة: «یا والدة الإله السماوی أنت هی الکرمة الحقانیة الحاملة ثمرة الحیاة. إلیک نتضرع لترحمی نفوسنا. یا والدة الإله السماوی افتحی لنا أبواب رحمتک«.

أول ما نبدأ به: أن نقول للنصاری: أخبرونا هل هذا القول منکم من أصول العقائد التی لا یسع المکلف جهله أو لا؟ فإن زعموا أنه لابد للمکلفین من اعتقاده والصلاة به و أنه لا رخصة لعبد حتی یعتقد أن لله والدا ولده، و أما حملته و أرضعته.

فإن قالوا: لا یسع مؤمنا إلا ذاک. قلنا لهم: أخرجتم آدم و إبراهیم و موسی و من بینهم من المؤمنین عن الإیمان إذ لم یعرفوا ذلک و لا اعتقدوه و لا سمعوا به، و لو کان ذلک إیمانا و توحیدا لم یجهلوه. و إن زعموا أن موسی و إبراهیم و من بینهم کانوا یعتقدون أن لله والدة حملت به و والدا ولده. قلنا لهم: أرونا ذلک فی توراة موسی و نبوات الأنبیاء و أنی یجدون إلی ذلک سبیلا.

ثم نقول لهم: ما قولکم فیمن خرج عن دین المسیح و خالقه من طبقات بنی آدم؟ أکفار هم أم مؤمنون؟

فإن قالوا: إنهم کفار فجار قد هلکوا بتکذیبهم المسیح. قلنا: فقولهم فی أم المسیح: «إنها حملت ثمرة الحیاة» کذب وزور و إفک و مین. إذ الذین هلکوا بانتهاک عرضها و قذفها من الیهود و غیرهم أکثر من أن یحصوا. فقد کذبتم فی قولکم: «إنها لکرمة الحاملة ثمرة الحیاة» و صارت بمقتضی ما ذکرتم حاملة الهلاک. کما قال ولدها فی الإنجیل: «لا تظنوا أنی جئت لألقی علی الأرض سلاما. ما جئت الألقی علیها سلاما لکم سیفا وأوقد بها نارا» (13) و إذا کان هذا قول المسیح و هو الثمرة التی ذکرتم، فما صدقتم فی تسمیته فی صلاتکم «ثمرة الحیاة«.

واعلم: أن هذه الصلاة أیضا مقصورة علی عبادة مریم -علیهاالسلام- و هی خارجة عن أصول النصاری؛ لأن جسد مریم لم یتحد به شیء عند کافة النصاری، بل جسدها کسائر أجساد بنی آدم. فلو جاز أن تعبد مریم، لکونها حملت بالمسیح عن عدة الله؛ لجاز أن تعبد ألیصابات و سارة و هاجر. إذ حملوا عن عدة الله تعالی. فقد زاد النصاری علی الثالوث إلها رابعا و خالفوا أهل ملتهم من القدماء.

فضیحة أخری:

النصاری یقرءون فی صلاة السادسة: «یا من سمرت یداه علی الصلیب من أجل الخطیئة التی تجرأ عیها آدم، خرق العهدة المکتوب فیها خطاینا و خلصنا. یا

من سمر علی الصلیب، و بقی حتی لصق علی الخشبة بدمه قد أحببت الممات لموتک، أسألک بالمسامیر التی سمرت بها، نجنی یا ألله» هذه القراءة و إن کانت تصلح لتعالیق المجان و من یعتنی بالأضاحیک؛ فلابد أن نبین مراد النصاری بها. و مرادهم: أن آدم أبیح له کل شجر الجنة. و قیل له: «کل ما أحببت خلا شجرة معرفة الخیر والشر فإنک فی الیوم الذی تأکل تموت موتا» قالوا: فلما أکل و خالف أمر ربه، وجب فی حکم الله تعالی أن یمیته موت الخطیئة لا موت الطبیعة. إذ سبق فی علم الله أنه لا یفرغ العالم من نسله. فما ورد علیه العتاب والتوبیخ؛ أسف و ندم علی ما فعل، و أنه تعالی تاب علیه و بقی فی عهدة قوله السابق. فلطف له و بعث المسیح فصام بدلا من توسع آدم فی تناول الشجرة، و صلب علی خشة بدلا من تیک الشجرة، و سمرت یداه بالجذع، لامتدادها إلی الثمرة المنهی عنها، و سقی المرار لالتذاذ آدم بحلاوة ما أکله من الجنة، و مات بدلا عن الموت الذی کان الله یهدد به آدم. و هذه دعوی لا برهان لهم علیها. و لو ادعاها بعض الناس لبعض من صلب فی الدنیا قبل المسیح أو بعده؛ لما وجد النصاری إلی رد ذلک سبیلا، و لیس -و عزة الله- لما لفقوه من ذلک أصل فی کتاب الله. لا فی العتیقة و لا فی الجدیدة.

و قولهم: «خرق العهدة التی کتبت فیها خطایانا و خلصنا» و ذلک أنهم یعتقدون أن خطیئة آدم التی جناها علی نفسه قد شمل وزرها و تبعتها سائر ولده حقبا بعد حقب، و قرنا بعد قرن إلی مجیء المسیح. و قد أبطلنا ذلک فیما تقدم و تلونا ما ورد فی التوراة والإنجیل والمزامیر مما یکذب هذه الدعوی.

و قد قالت التوراة: إن الله قال لقابیل بن آدم: «إن أحسنت تقبلت منک، و إن لم تحسن فإن الخطیئة رابضة بباک. أنت تقبل إلیها و هی تتسلط علیک» (14) فقد أخبرت التوراة أن فی إحسان المحسن و قبول البر من الرجل البار مندوحة عن قتل المسیح و غیره. و قالت التوراة أیضا: «أما هابیل فإنه یجزی للواحد سبعة» (15) و فی ذلک مندوحة عن القتل والصلب. إذ الجزاء خلاص و زیادة. و قال الله تعالی فی

المزامیر: «طوبی للرجل الذی لم یتبع رأی المنافقین و لم یقف فی طریق المستهزئین و لم یجالس الخاطئین لکن فی ناموس الرب هواه، یدرس لیلا و نهارا» (16) فقد شهد المزمور: أن الاشتغال بقراءة کلام الله و عبادته مخلص لصاحبه، و أن الطوبی له، فلا حاجة إلی الخلاص بشیء آخر، و إلا فیلزم تکذیب داود فی خبره عن الله تعالی. و قد قال التلامیذ للمسیح و سألوه: من العظیم فی ملکوت الله تعالی؟ فقال: «من تواضع مثل الصبیان. فهو العظیم فی ملکوت الله» (17).

فقد أخبر المسیح أنه لا حاجة إلی قتل و صلب، بل من تواضع لله و لم یتکبر؛ کفاه ذلک و خلصه. والعجب کیف تحکم النصاری بصحة توبة آدم ویقولون: إن ذریته مأخوذة بجریرتة، و قد رووا فی بعض نبوات أنبیائهم عن الله: «لا آخذ الولد بذنب والده، و لا الوالد بذنب ولده. طهارة الطاهر؛ له تکون. و خطیئة الخاطیء علیه تکون» (18) و ذلک موافق لقوله تعالی: (وَ لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخْرَی) والعجب کیف یثبتون عند سماع هذه القراءة و لا یستغربون ضحکا، و لعمری ما بلغ أعداؤهم منهم ما بلغوا من أنفسهم فی جعل مثل هذا السخف قرآنا یتلی.

فضیحة أخری:

النصاری یقرءون فی صلاة الساعة التاسعة: «یا من ذاق الموت من أجلنا فی الساعة التاسعة. إلیک ابتهالنا. یا من سلم نفسه إلی الأب لما علق علی الصلیب لا تغفل عنا. یا من من أجلنا ولد من العذراء، واحتمل الموت؛ لا تخیب من خلقت بیدیک واقبل من والدتک الشفاعة فینا، و لا تنقض عهدک الذی عاهدت علیه إبراهیم و إسحق و یعقوب» و فی هذه الصلاة یقرءون أیضا: «لما رأت الوالدة الحمل والراعی و مخلص العالم علی الصلیب قالت و هی باکیة: أما العالم ففرح بقبوله الخلاص، و أما أحشائی فتلتهب عندما أنظر إلی صلبوتک یا بنی«.

والغی قولهم: «یا من ذاق الموت من أجلنا» قد بینا خلو هذه الدعوی من الفائدة، و أن القتل والصلب وقع باطلا. إذا الخلاص الذی قتل لأجله لم یعرفوا له حقیقة و لا وقفوا من أمره علی نبأ إلی الساعة. و ما هو إذا عنقاء مغرب یسمع به و لا یری. علی أن هذه القراءة مع أنها سبة علی قارئها فیها تناقض لا یخفی علی من تأمله. و ذلک: أن أولها یشهد بأنه قتل و صلب و ذاق الموت من أجل خلاصهم، و قد سمته أمه بزعمهم: «مخلص العالم» فما حاجتهم إلی التضرع إلیه ألا یخیبهم ولا یغفل عنهم و أن یمودا إلیه بشفاعة والدته؟ أهم شاکون فی خلاصهم بقتله و صلبه؟ أم یقولون إن الأب لم یف له فخسر نفسه و لم یحصل لهم خلاص؟

و أما قولهم: «و لا تنقض عهدک الذی عاهدت علیه إبراهیم و إسحق و یعقوب» فذلک غلط من النصاری إذ ما عاهد إبراهیم و إسحق و یعقوب الأب. و قد قال المسیح: «الله لم یره أحد قط» (19) و علی مقتضی هذه الصلاة المدبرة یکون المصلوب المسمر الیدین بالمسامیر هو الأب الذی عاهد إبراهیم و إسحق و یعقوب. والذی غلط النصاری ههنا قول أفرایم -من جهال سلفهم-:»إن الیدین التی جبلت طینة آدم هی التی علقت علی الصلیب، و إن الشبر الذی مسحت السماء هی التی سمرت فی الخشبة» فأستغفر الله من حکایة أقوال هؤلاء الضلال.

و أما قولهم: «إن والدة إله إبراهیم و إسحق و یعقوب واقفة تبکی تحت خشبته و تنادیه: یا بنی و إلهی. أحشائی تحترق لصلبک» فلو سمعه بعض المجان لاتخذه من أظرف ما یمجن به؛ لأن حاصله: أن ابنها إلهها الذی ولدته، و خالقها هو ولدها الذی أرضعته.

و لاشتمال صلوات النصاری علی هذا السخف، یبالغون فی ستر أحوالهم و لا یعجبهم أن یحضر ببعهم أحد غیرهم.

فضیحة أخری:

النصاری یقرءون فی صلاة الغروب: «یا والدة الإله العذراء إسمی فی خلاصنا، وافرحی یا والدة الإله. مبارکة أنت فی النساء و مبارک ثمرة بطنک؛ لأنک

ولدت لنا مخلصا، یا والدة الإله لا تغفلی عن وسائلنا و نجنا من المعاطب» و فی هذه الصلاة: «یا صابغ المسیح یوحنا اذکر جماعتنا و نجنا«.

قولهم «یا والدة الإله» اعلم: أن الألوهیة عندهم تکون حقیقة و تکون مجازا، فالإله الحقیقی: هو الله الأب عندهم. والإله المجازی هو المعظم فی الدین الذی یدعو إلی الله و یعلم الناس أوامر الله، و یبین لهم أحکامه، فإن عنوا ههنا الإله الحقیقی؛ سقطت مکالمتهم، لبیان جنونهم. و إن عنوا القسم الثانی و هو الإله الذی هو معظم فی الدین کقول الله فی التوراة لموسی علیه السلام: «أخوک هارون یکون لک مترجما و أنت تکون له إلها و مدبرا» (20) و کقول داود لعلماء بنی إسرائیل فی المزامیر: «أنا قلت: إنکم آلهة و بنی العلی کلکم تدعون» (21) و کقول حبقوق النبی: «إله یأتی من التیمن و مقدس من جبال فاران» (22) یصف نبیا یخرج من الحجاز -صلوات الله علیه و سلامه- فإذا قال النصاری فی صلواتهم: «یا والدة الإله» لم یعلم من هی المدعوة؟ أهی أم إبراهیم؛ فإنه فی التوراة عظیم الله، أم أم إسرائیل؛ فإنه فی التوراة بکر الله، أم والدة موسی؛ فإنه فی التوراة «إله و مدبر» أم إحدی أمهات أصحاب داود؛ فإنهم فی المزامیر آلهة؟ و إذا کان هؤلاء یدعون آلهة؛ فقد صار اللفظ مجملا، فمن التی دعوها لتنجیهم من المعاطب و تسعی فی خلاصهم؟

و قد زادوا فی هذه الصلاة إلها سادسا. و هو یوحنا إذ قالوا: «یا یوحنا صابغ المسیح؛ نجنا من المعاطب» فصارت الآلهة ستة: الأب والابن و روح القدس والمسیح و مریم و المعمدانی. و فی دعائهم یوحنا و طلبهم النجاة منه تکذیب لهم فی دعوی الخلاص بقتل المسیح؛‌‌ إذ لو کانوا قد خلصوا بالمسیح؛ لم یفتقروا إلی دعاء غیره، و حیث احتاجوا إلی الغیر؛ دل أنهم ما خلصوا، و صار ما ادعوه من قتل المسیح خالیا عن الفائدة.

فضیحة أخری:

النصاری یقرءون فی صلاة النوم: «الملائکة یمدحونک بتهلیلات مثلثة؛ لأنک قبل الکل لم تزل أیها الأب، وابنک نظیرک فی الابتداء، و روح القدس مساویک فی الکرامة، ثالوث واحد«.

أما قولهم إن الملائکة یعتقدون الثالوث الذی یقولون به؛ فبهت قبیح و کذب صریح، بنوه علی فاسد معتقدهم. و إلا فمن أین علموا أن اعتقاد الملائکة ما حکوه عنهم؟ والدلیل علی تخرص ذلک علی الملائکة: التوراة والإنجیل والمزامیر؛ فإنها شاهدة بالتوحید و تنزیه الباری عن الثانی والثالث. فقد قال لوقا: إن جبریل حین خاطب مریم و سلم علیها؛ ارتاعت منه، و قالت: «ما هذا السلام؟ فقال لها جبریل: اعلمی أنی أنا جبریل الواقف قدام الله؛ جئتک أبشرک«. و قد أکثرنا من ذکر الشواهد علی التوحید مما یقضی ببطلان هذه القراءة، و تبین تخرص من ألفها.

و فی قول النصاری ههنا: «لأنک قبل الکل لم تزل» یدل علی حدث الابن والروح القدس، لتأخرهما عن الأب فی الوجود. إذ لو کانا قدیمین لم یکونا مسبوقین. فإن عبر النصاری عن صفتی العلم والحیاة بالابن والروح. قلنا لهم: فالصفتان قدیمتان أیضا، فکیف یکون الأب قبل الکل، والصفة لا تتأخر عن موصوفها؟ فالقراءة علی ذلک باطلة. فنحن نسألهم عن الابن والروح أهما إلهان أزلیان أو مخلوقان حادثان؟

فإن کانا حادثین مخلوقین؛ فقد أبطلوا القول بألوهیتهما، و أبطلوا القول بالتثلیث. و إن کانا إلهین خالقین؛ بطل أن یکون الأب سابقا لهما. و فسدت هذه التلاوة.

و أما قولهم: «ثالوثا واحدا» فلا تظن أنهم یعتقدون أنها صفات للذات بل مرادهم أن الآلهة ثلاثة فقط بغیر رابع. والدلیل علیه: إفراد کل واحد منهم بالذکر والتعبد والسؤال -کما شهدت به الصلوات والأمانة التی لهم والتسابیح- و لو کانوا یردون ذلک إلی أنهم صفات للذات لاقتصروا علی إفراد الله تعالی بالذکر کما أفرد موسی و عیسی والأنبیاء -علیهماالسلام- فهل تجدون فی التوراة

والنبوات للتثلیث ذکرا ألبتة؟ علی أن النصاری قد عبدوا بنی آدم ألا تراهم کیف یقرءون فی الصلاة الأولی: «تعالوا نتضرع للمسیح إلهنا» والمسیح هو المولود الذی ولدته مریم -علیهاالسلام-.

فضیحة أخری:

النصاری یقرءون فی صلاة نصف اللیل. و هی الثامنة: «تبارک الرب إله آبائنا و فوق المتعالی إلی الدهر، تبارک مجدک القدوس فوق المسیح و فوق المتعالی. إلی الدهر، أنت فوق المسیح و فوق المتعالی إلی الدهر» و کرروا هذه الفوقیة فی هذه الصلاة دفعات، فوصفوا الله تعالی بأنه فوق المسیح و فوق من هو أعلی من المسیح. و ذلک مناقض لما قرءوه فی صلاة النوم إذ قالوا فیها: «إن السمیح نظیر الله فی الابتداء، و إن روح القدس مساویه فی الکرامة» فإن کان الله فوق المسیح؛ بطل قولهم إنه نظیره، و إن کان المسیح نظیره؛ بطل أن یکون فوقه. فلابد من إبطال أحد القراءتین ضرورة الوفاء بالأخری.

ثم نقول لهم: ألیس أقنوم الوجود و أقنوم الحیاة و أقنوم العلم، متساویة فی الأزلیة والقدم واستحقاق الربوبیة؟ فما الذی خصص أحدهم بالفوقیة دون الآخرین و لیس متقدما علیهم؟ فإن أبیتم إلا إثبات الفوقیة له علیهما؛ فقد أثبتم أنهما دونه. و ذلک تشویش للثالوث، و إن وفیتم بالثالوث؛ أبطلتم هذه القراءة. و لا سبیل إلی إبطالها؛ فإن التوراة والإنجیل والنبوات شاهد بالصحة. إذ خصصت الباری بالألوهیة و وصفته بأنه المتعالی فوق المسیح و فوق کل شیء -جل و علا و تقدس عما یقول الجاحدون علوا کبیرا-.

فهذه بهذیکم ثمانی صلوات قد اشتملت علی الکفر والبهت والفجر و قلة الحیاء. و ذلک أن أحدهم یقوم مضمخا ببوله؛ فیتوجه إلی مشرق الشمس -و هی جهة کان المسیح و غیره من الأنبیاء یتنکبها فی صلاته؛ فیناجی رجلا من بنی آدم فیقول فی قراءته: «یا من قتله الیهد و صلبوه، و سمروا یدیه علی خشبة و ترکوه علی جذعة بین اللصوص حتی أسالت الشمس دمه و حتی لصق بالخشبة جسده. بحرمة المسامیر التی سمرت بها یدیک؛ ارحم من خلقت بیدیک. یا

الله«. و هذا -حوشیتم- لو خوطب به زعیم قریة أو رئیس محلة لتطیر من سماعه و عجل العقوبة لقائله. فکیف بمن یناجی بذلک إلهه و ربه جل و علا؟

سؤال علی النصاری:

نقول للنصاری: أخبرونا ما الذی صنعه الله أیشوع حتی صار ابنا له. إذ لم تقولوا بالبنوة المعروفة المتحدة من الزوجة والمملوکة؟

فإن قالوا: مسحه فصار بمسحه له مسیحا وابنا. قلنا: أبینوا لنا: هل مسحه بدهن؟ فإن قالوا: نعم، ساووا بینه و بین داود و غیره. إذ قال داود فی مزامیره: «صبیا کنت فی غنم أبی؛ فأخذنی ربی و مسحنی بدهن مسیحه» (23) و قال داود فی مزمور آخر: «ائتمر الشعوب علی الرب و علی مسیحه» (24) یعنی نفسه (25) و قال الله تعالی فی السفر الثالث من التوراة و یسمی سفر الکهنة: إن الحبر الممسوح من أولاد هارون هو الذی یتولی القرابین ورش الدم علی زوایا المذبح (26) و ذلک مشهور عندهم. فالمسیح هو الممسوح. فما زادوا أن وصفوه بوصف کاهن. و فی الأصحاح الخامس من هذا السفر «قال الله لموسی: اعمد إلی هارون و بنیه و خذ اللباس و دهن المسیحین الذی یمسح به الأحبار و خذ الجماعة کلها إلی باب قبة الأمد، و قدم هارون و ألبسه لباس الکهنة و کلله بأکلیل من ذهب، و صب علی رأسه من دهن المسیحین وامسحه و قدسه ففعل موسی ذلک بهارون» (27).

فما نری المسیح له مزیة علی داود و هارون فی ذلک، و ما نراه نسج له إلا علی منوال من تقدم من صفوة الله تعالی.

و قد حکوا فی إنجیل لوقا: أن جبریل بشر مریم بأن ولدها المسیح ابن داود یجلسه الرب علی کرسی أبیه داود و یملکه علی بیت یعقوب. و ذلک یتقاضی أن یکون أفضل منه أو معه فی رتبة الفضل. فیالله العجب. جبریل یخبر عن الله أن

المسیح هو ابن داود، و أنتم تقولون کلا. و لکنه رب داود. لقد تباعد ما بینکم و بین جبریل. و من کان عدوا لجبریل الأمین؛ فهو لا شک عدو لله رب العالمین.

و إن قالوا: إنما جعله مسیحا وابنا بتسمیة سماه بها و سمی نفسه ابنا له. قلنا: و کذلک یعقوب إذ حکیتم لنا فی التوراة: أن الله تعالی قال لموسی: «ابنی بکری إسرائیل» (28) والبکر أجل قدرا عند والده من غیر البکر، علی ما لا یخفی. والتوراة تشهد بأن للولد الأکبر سهمین فی المیراث و لغیره سهم واحد ثم هو جد المسیح، و عامة الأنبیاء من نسله. فهلا عبدتموه واتخذتموه إلها؟

و إن زعموا: أن المسیح إنما سماه الله ابنا للتربیة و حسن التأدیب. فلعمری لئن کان الله قد غذاه بغیر رضاع و قواه بسوی الطعام المألوف، و ألبسه غیر الثیاب المعهودة، و بعث إلیه ملکا یؤدبه، واختلفت الملائکة إلی بیت أمه لزیارته وامتثال أوامره لیخالف بینه و بین سائر الناس؛ إن ذلک لموضع شبهة. فأما وأمره فی جمیع أحواله علی ما یعهد من الناس و لم تظهر له آیة فی صباه و لم یتکلم فی المهد کما زعموا و لا زاد إلی أن بلغ ثلاثین سنة علی رجل من بنی آدم، فما وجه ادعاء ربوبیته و ألوهیته؟

و لو أن النصاری قالوا: إنه تکلم فی المهد، و خلق من الطین کهیئة الطیر کما یقول فیه المسلمون؛ لوجدوا شعبا یستریحون إلیه ساعة و ساعة.

و إن قالوا: إنه إنما صار مسیحا وابنا بمعمودیة یوحنا. فقد اعترفوا بأن مریم لم تلد الأبن المسیح فی الحقیقة و إنما هی امرأة ولدت طفلا من أطفال بنی آدم، و حینئذ تکون بنوة المسیح مجرد تسمیة لاغیر، و یستوی حاله و حال من تقدمه فی هذه التسمیة من بنی إسرائیل. و إن قالوا: إنما اتخذه الله مسیحا وابنا لأنه أطاع الله طاعة لم یطعها أحد قبله، و عبده عبادة لا یتصور أن یبلغها أحد. فنقول: کیف ذلک و إنما أطاع الله تعالی منذ عقل و بلغ مبالغ الرجال و ذلک دون العشرین سنة، و أنتم حکیتم لنا فی التوراة: أن موسی علیه السلام عمر مائة و عشرین سنة (29) فإذا طرحنا سن الصبا، کان عمر المسیح خمس عمر موسی. و إذا کان الأمر کذلک؛

فقد زادت أعمال موسی و طاعته و أربت علی طاعة المسیح. و قد حکیتم لنا: أن موسی ملک جانبا کبیرا من الأرض و قاتل الجبابرة و جاهد العمالقة و أباد الفراعنة و قتل عوجا مبارزة و واصل لله أربعین یوما و أربعین لیلة، لا یذوق طعاما. وابتلی بخلاف قومه و کثرة تلونهم و تعنتهم بالجهل المرکوز فی طباعهم فصبر علیهم و رفق بهم وساسهم و تلقی أوامر ربه بصدر فسیح و باع رحیب، فلم یهب جبارا و إن عظم قدره، و لا نکل عن عدو و إن تفاقم أمره. حتی فتح الشام و دوخ البلاد. و لما دنا حمامه و زمه من المقدور زمامه؛ تقدم إلی خادم کان له یقال له یوشع بن نون لیفتح باقی بلاد الشام، و أفاض علیه من فاضل همته و صحیح عزمته ما شدد شکیمته و أید نحیزته. فقاتل أربعة و عشرین ملکا و أبادهم عن جدید الأرض. و هذه عبادات لم تتفق للمسیح -علیه السلام- مع نزول سنه. و أنتم أخبرتمونا فی الإنجیل أن المسیح کان مذ بلغ الحلم إلی أن ناهز الثلاثین مشتغلا بتعلم التوراة‌ واقتباس العلم من أتباع موسی، فلم یکن یحارب و لا یحارب و لا امتحن بما امتحن به موسی. فقد کذبتم فی قولکم إنه اتخذ ابنا لتقدمه فی الطاعات علی غیره.

و کیف تستقیم لکم هذه الدعوی والمزامیر تشهد بخلافها. قال داود علیه السلام متنبئا علی المسیح: «أقسم الرب و لا یکذب أنک أنت الکاهن المؤید تشبه ملکی صادق» (30) فشبه المسیح برجل کاهن کان فی من إبراهیم الخلیل و أقصی درجات الشبه: أن یساوی المشبه فی الفضل. و هذا الکلام من داود یفضی بانحطاط درجة المسیح عن درجة‌ إبراهیم موسی -علیهماالسلام- إذ لا خلاف بین أهل الکتاب أن إبراهیم و موسی أفضل من ملکی صادق هذا الذی شبه به المسیح. فاعلم ذلک.

و إن قالوا: إنه کان له من النیة مالم یکن لموسی و لا غیره -والأعمال بالنیات- قلنا: لو عکس علیکم الأمر و قیل لکم: بل نیة موسی کانت أعظم، و قصده کان أتم و أفخم. فبماذا کنتم تجیبون؟ فإن من کان له من أنواع العبادات والقربات ما وصفنا؛ فهو أحق بأن یقال: إن نیته أعظم من نیة غیره. فقد بطل جمیع ما تمسک

النصاری به فی بنوة المسیح، واستوی حاله و حال أحبار بنی إسرائیل فی المسیحیة والبنوة.

و إنما أوردنا ما أوردنا من ذلک؛ کسرا للحجج النصاری و هدمها لأباطیلهم. و نحن والحمد لله أسلم قلوبا لأنبیاء الله و أحسن قولا منهم و أجمل اعتقادا -صلوات الله علیهم أجمعین-.


1) تث 4: 39.

2) خر 20: 2 – 3.

3) تث 5: 6 – 9.

4) متی 4: 10.

5) متی 19: 17.

6) مر 12: 29.

7) لو 16: 15 – 16.

8) هو سئل عن فتح المسلمین لفلسطین (متی 24(.

9) متی 24: 26.

10) یوحنا 17: 3.

11) مزمور 18: 30 – 31.

12) مزمور 20: 1 +.

13) متی 10: 34.

14) تکوین 4: 6 – 7.

15) تکوین 4: 15.

16) المزمور الأول و قد أشار الله إلیه فی القرآن بقوله: (و قد نزل علکیم فی الکتاب أن إذا سمعتم آیات الله یکفر بها و یستهزأ بها… إلخ(.

17) متی 18: 1 – 4.

18) حزقیال 18: 20 تثنیة 24: 16.

19) یوحنا 1: 18.

20) خروج 7: 1.

21) مزمور 82: 6.

22) حبقوق 3: 3.

23) صبیا کنت فی غنم أبی. هذا فی المزمور المائة و واحد و خمسین و یوجد فی النسخة القبطیة.

24) المزمور الثانی.

25) داود لا یعنی نفسه. و إنما یعنی محمدا صلی الله علیه و آله و سلم.

26) لاویین 4: 5 – 6.

27) خروج 8.

28) خروج 4: 22.

29) تثنیة 34: 7.

30) مزمور 11: 4.