فرقة الملکیة. و مذهبها: أن المسیح بعد صدور الاتحاد: جورهران و هو أقنوم واحد. و قد حکینا عنهم أن الأقنوم هو الشخص. قالوا: فله بطبیعة اللاهوت مشیئة کمشیئة الأب، و له بطبیعة الناسوت مشیئة کمشیئة إبراهیم و داود. غیر أنه أقنوم واحد أی شخص واحد. فردوا الاتحاد إلی الأقنوم. إذا رأوا الاتحاد بالنسبة إلی الجوهر مستحیل.
و سبیل الرد علی هذه الفرقة:
الحجة الأولی:
أن نقول: إذا قلتم: إن المسیح بعد الاتحاد باق علی طبیعته و مشیئته کما کان قبل الاتحاد؛ فقد أبطلتم الاتحاد، لأن افتراق أحد الجوهرین بالطبیعة والمشیئة؛ هو غایة الافتراق. و إذا کان ذلک کذلک؛ فلا معنی للاتحاد. إذ الاتحاد عبارة عن صیرورة أکثر من الواحد واحداً، و إذا کان جوهر الأزلی باق بحاله و جوهر الإنسان باق بحاله؛ فقد آل الاتحاد مجرد تسمیة فارغة عن المعنی، خالیة عن الفائدة.
الحجة الثانیة:
هو أن نقول لهم: أتقولون إن اللاهوت اتحد بالناسوت حقیقة أو مجازاً فإن قالوا: إن ذلک تجوز و توسع؛ أبطلوا الاتحاد، و تجوزوا بإطلاق ما لم یجز إطلاقه علی القدیم سبحانه.
و إن قالوا: إنه اتحد به حقیقة؛ لزمهم أن تکون مشیئتهما واحدة؛ لأن الواحد لا تکون له إلا مشیئة واحدة. إذ لو کان للواحد مشیئتان؛ للزم إما أن یکونا متماثلتین و إما مختلفتین. فإن کانتا متماثلتین؛ فإحداهما مغنیة عن الأخری، و إن کانا مختلفتین؛ تناقضت أحکامها، وامتنع حصول مرادهما. فثبت: أنه لابد من إبطال إحدی المشئیتین إن کان الاتحاد حقیقة. أو إبطال الاتحاد جملة إن ثبتت المشیئتان.
الحجة الثالثة علی الروم أصحاب الجوهرین والأقنوم الواحد:
هو أن نقول: إن قلتم: إن الأقنومین أعنی أقنوم الأزلی و أقنوم الإنسان، قد صارا واحدآ، فالجوهران أیضا قد صارا واحدا. والقول بصیرورة الجوهرین واحدا؛ باطل، والقول بالأقنوم الواحد؛ باطل.
الحجة الرابعة:
هذا المذهب فیه قباحة. و ذلک أن صیرورة جوهرین مختلفی الطباع شخصا واحدا لا یبوء به عاقل، إذ یلزم علیه أن یشار إلی المسیح بأنه قدیم و محدث إشاة واحدة.
الحجة الخامسة:
إن کان أقنوم الإله والمسیح قد صارا أقنوما واحدا، و أحدهما زمنی والآخر إزلی، فقد صار الأزلی زمنیا والزمنی أزلیا، أو صار منهما شیء آخر لا أزلی و لا زمنی، و ذلک محال. و علی هذا یبطل فعل أقنوم الإنسان و هو الأکل والشرب و غیره. و قد وصف المسیح بذلک، أو یبطل فعل أقنوم الإله. و هو إحیاء المیت و تطهیر الأبرص. و قد وصف المسیح به.
الحجة السادسة:
إن کان الأقنومان قد صارا أقنوما واحدا مع تنافی طباعهما. فهذا إنما یتم بالامتزاج والاختلاط؛ فیلزم أن یتغیر الإله و یستحیل مع طبع الإنسان. و ذلک متعذر علی ذات الباری و تعالی.
و أکثر الحجج الواردة علی الفرقة الأولی واردة علی الفرقة الثانیة لقولها باتحاد الأقنومین.