و یمکن أن یطرح سؤال فی المقام، عن الحکمة أو السبب لاختلاف معجزات الأنبیاء علیهم السلام، و لماذا لم یقوموا جمیعا باجتراح معجزة واحدة، ما دام المراد هو إثبات صدق النبی، و هو ما یتحقق بصرف المعجزة و طبیعتها، و لا تحتاج إلی تعدد و تکرار.
و الجواب- کما ألمحنا إلیه- إن المعجزة یجب أن تتناسب و طبیعة المجتمع الذی توجهت إلیه، و المجتمعات الإنسانیة لیست علی مستوی واحد، من الوعی و الثقافة و نمط التفکیر، کما هو واضح، خصوصا و أن المعارف الانسانیة تدرجت عبر التاریخ شیئا فشیئا، الأمر الذی یستلزم ضرورة الاختلاف فی طبیعة المعجزات.
من جهة أخری، یشکل اجتراح المعجزة دافعا قویا، لتحریک الذهن البشری، باتجاه البحث و التأمل، و السعی بصورة طبیعیة لتقلیدها، و محاولة الاتیان بمثلها.
و من ناحیة ثالثة، تدفع المعجزة الإنسان، و بشکل طبیعی أیضا، باتجاه
الإیمان بالله تعالی، و تصدیق نبوة النبی، مما یؤدی به إلی السلوک و العمل وفق ما یقتضیه هذا الإیمان و التصدیق بدعوة النبی، ان تصرف وفق ما یدعوه إلیه حکم العقل، و هذا الأمر ینطبق علی جمیع المعجزات، و إن اختلفت فی طبیعتها.
و لعل من أهم المبررات لتنوع المعجزات، هو الإشارة إلی إمکان تحقق مضامینها بجهد الإنسان نفسه، و هو ما یشکل دلیل صدق الأنبیاء علیهم السلام، فی ذهن من لم یعاصر و هم، و إلا لم یبق أی دلیل یؤکد اجتراحهم المعجزات، بل لا یبقی ما یؤید أصل وجودهم علی صفحة التاریخ البشری، مع تقادم الزمن و تعاقب الأجیال، مما یؤدی إلی وضع هذه المعجزات فی خانة الأساطیر و الخرافات، عند الکثیر من الناس کما هو حاصل فعلا.