و قد اختلف مؤلف یوحنا مع مؤلفی متی و مرقس. مع سکوت مؤلف لوقا. فقد ذکر مؤلف یوحنا أن الناس لما رأوا أنه أطعم نحو خمسة آلاف رجل من سمکتین و خمسة
أرغفة. أراد الناس اختطافه لیجعلوه ملکا فهرب وحده. ولحق بعد ذلک بتلامیذه فی البحر.
و هذا نصه:
»فلما رأی الناس الآیة التی صنعها یسوع قالوا إن هذا هو بالحقیقة النبی الآتی إلی العالم، و أما یسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن یأتوا و یختطفوه لیجعلوه ملکا انصرف أیضا إلی الجبل وحده.
و لما کان المساء نزل تلامیذه إلی عبر البحر إلی کفر ناحوم، و کان الظلام قد أقبل و لم یکن یسوع قد أتی إلیهم…«(1).
و واضح من هذا النص أنه انصرف وحده إلی الجبل من وسط أولئک الذین أرادوا اختطافه أی أنه هرب حتی أقبل المساء و أظلم، فلحق بتلامیذه بعد أن کانوا قد ابتعدوا نحو خمس و عشرین أو ثلاثین غلوة لأنه أتاهم ماشیا علی الماء کما یفید النص.
أما مؤلفی متی و مرقس فلم یتعرض أحد منهما لذکر نیة الناس فی اختطافه و لا لهربه، و أنه ألزم تلامیذه بعد رفع بقایا الطعام بأن یرکبوا السفینة و یسبقوه إلی العبر حتی یقوم بصرف الجموع. و هذا نص مؤلف متی:
»فأکل الجمیع و شبعوا، ثم رفعوا ما فضل من الکسر اثنتی عشرة قفة مملؤة و الآکلون کانوا نحو خمسة آلاف رجل ما عدا النساء و الأولاد.
و للوقت ألزم یسوع تلامیذه أن یدخلوا السفینة و یسبقوه إلی العبر حتی یصرف الجموع و بعد ما صرف الجموع صعد إلی الجبل منفردا لیصلی، و لما صار المساء کان هناک وحده، و أما السفینة فکانت قد صارت فی وسط البحر…«(2) و بمثله أفاد نص مرقس.(3).
و الاختلاف بین الرأیین واضح.
فقد ذکر مؤلف یوحنا هروبه من الاختطاف و لم یذکر ذلک الآخران. و لم یذکر أنه ألزم تلامیذه بالدخول إلی السفینة، و قد ذکراه.
قال صاحب کتاب «الفارق بین المخلوق و الخالق» معلقا علی هذا الاختلاف:
»ولعلهم یجعلون هذا التحریف من غلط الوحی فإن المسیحیین ینزهون الأناجیل عن التحریف ویکفرون من یقول بذلک فلذلک أحالوه علی غلط الوحی کما هو مذهب بنیامین بنکرتن أحد المفسرین و هو من أفحش الکفر«(4).و لا أثر لشیء من ذلک عند مؤلف لوقا فهو لم یتعرض لنزول تلامیذه البحر، ولحوقه بهم ماشیا علی الماء وله ترتیب مخالف للأحداث التالیة. و بمجرد إلقاء نظرة علیه یتأکد للناظر سکوته عن المسألة و ما تلاها(5)
1) [یوحنا 6: 14- 17].
2) [متی 14: 20- 24].
3) [مرقس 6: 42- 47].
4) عبد الرحمن باجة جی. الفارق بین المخلوق و الخالق ص 104- والمفسر المذکور ذکره صاحب الفارق عند التعرض لشرح القصة کما رواها متی.
5) [لوقا 9: 16- و ما بعده].