وهذا العشاء الأخیر والذی ناول المسیح الخبز والشراب لتلامیذه فیه وهو یقول عنهما هذا هو جسدی وهذا هو دمی- وذلک بحسب روایة الثلاثة، وإن کان الرابع قد أغفل هذه العبارة ثم زاد غسل الأرجل- وهو بحسب روایة الثلاثة قد وقع مساء یوم الخمیس لیلة صباح یوم الجمعة الذی حدث فیه الصلب، أما بحسب روایة مؤلف الرابع فقد حدث هذا العشاء مساء یوم الأربعاء لیلة صباح یوم الخمیس الذی حدث
فیه المحاکمة والصلب، لأن الخمیس فی تلک السنة کان هو أول أیام العید، وما یزال أتباع الکنیسة یحتفظون بهذه الذکری علی ما بها من هذه الخلاف بین الأناجیلهم المقدسة، ومؤلفیها الذین یزعمون أنهم کتاب الوحی الأمناء المعصومون. فهل یا تری أخطأ الکتاب فتسقط عصمته ویصبح مؤلفا أقل من حاذق دقیق؟؟ أم هو معصوم والوحی هو المخطئ کما ذهب إلی ذلک بعضهم منهم؟؟
ومن أسماء هذا العشاء المختلف فیه ما ذکره الأستاذ حبیب جرجس مدیرالکلیة الاکلیرکیة للأقباط الأرثوذکس سابقا فی کتابه «أسرار الکنیسة» قال: «سمی هذا السر منذ القدم بأسماء متعددة فدعی«: «سر الشکر» و «العشاء الربانی» و «العشاء السری» و «العشاء الإلهی» و «مائدة الرب» و»المائدة المقدسة» و «المائدة السریة» و «سر المذبح» و»خبز الرب» و «خبز الله» و «الخبر السماوی» و «و الخبز الجوهری» و «جسد المسیح» و «الجسد الربانی» و «الخلاص المقدس» و «دم المسیح» و «الدم الکریم» وسمی أیضا: «شرکة» و «اتحاد» و «کأس الحیاة الخلاصیة» و «الأسرار المقدسة» و «الأسرار الإلهیة» و «الأسرار المخوفة السماویة» و «الذبیحة المقدسة السریة» و هکذا من الأسماء الرهیبة (1)» أ هـ.
وهذا السر هو أسمی أسرار الکنیسة السبعة. قال حبیب جرجس أیضا فی کتابه معرفا به:
»تعریف السر وسموه علی باقی الأسرار:
سر الشکر هو سر مقدس به یأکل المؤمن جسد المسیح الأقدس ویشرب دمه الزکی تحت أعراض الخبز والخمر. ولهذا السر المقام الأسمی بین الأسرار السبعة المقدسة…….
أما فی السر الأقدس فیستحیل جوهر المادة لأن الخبز والخمر مع حفظهما شکلیهما وأعراضهما یستحیلان بوجه سری عجیب إلی جسد المسیح ودمه (2)«.
ولابد من الإیمان بإستحالة جمیع الخبز والخمر فی مختلف الکنائس إلی جسد المسیح ودمه حقیقة مع مناقضة ذلک للعقل.
والقائل بأن الخبز والخمر اللذان یتناولهما أتباع الصلیب فی البقاع المختلفة کل عام إنما هما رمز لجسد المسیح ودمه الحقیقیین یعتبر کافرا- هرطوقیا- ومن هؤلاء
»زونکل وکالغن ویوحنا ویکلف الإنجلیزی» من زعماء الإصلاح الدینی فی العصر الحدیث ومن قبلهم. البطرسیون (تلامیذ بطرس دی برین بفرنسا فی القرن الثانی عشر وأتباع هنریکوس الایطالی) وکذلک طائفة الالبیجنسیبن فی القرن الثالث عشر، وغیرهم کثیر. وجمیع هؤلاء متبعون لیوحنا أربجانا الإیرلندی فی القرن التاسع المیلادی الذی أعلن فی أحد کتبه «بأن هذا السر لا یحوی جسد المسح ودمه حقیقة» (3).
واستمداد المسیحیة من العقائد الوثنیة السابقة علیها واضح فی استعارتها هذه العقیدة ولیس هذا من شأن الدیانات السماویة ولیس مما نهتم هنا بمناقشته.
ویهمنا هنا موقف یوحنا من تحدید موعد هذا العشاء الرهیب السر الذی ناقض فیه إجماع الثلاثة الآخرین. ویتبع ذلک الخلاف فی تحدید الیوم الذی حدث فیه الصلب.
1) حبیب جرجس: أسرار الکنیسة السبعة [ص 57].
2) المرجع السابق [ص 60] ویقصد بقوله: (یستحیلان) أنهما: یتحولان والاستحالة علی هذا هی: تحول الخبز والخمر إلی لحم المسیح ودمه…. وهذا یستحیل بل هو عین الاستحالة لأنه: محال مستحیل.
3) المرجع السابق [ص 60].