ونقصد السبب المباشر الذی قرر الکهنه بعده أن یوقعوا بالمسیح. وقد خالف مؤلف الإنجیل الرابع المؤلفین الثلاثة فی ذلک:
فقد نص مؤلف الرابع علی أن معجزة إقامة لعازر المیت من القبر کانت السبب المباشر لتحرک الیهود ضده فی تنفیذ مؤامرة القبض علیه وتسلیمه لرجال السلطة. وقد عقب بعد الحادثة المذکور قائلا بالنص:
ورفع یسوع عینیه إلی السماء وقال أیها الآب أشکرک…….. ولما قال هذا صرخ بصوت عظیم لعازر هلما خارجا. فخرج المیت ویداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه مافوف بمندیل فقال لهم یسوع دعوه وحلوه یذهب.
فکثیرون من الیهود الذین جاءوا إلی مریم ونظروا مافعل یسوع آمنوا به. وأما قوم منهم فمضوا إلی الفریسیین وقالوا لهم عما فعل یسوع فجمع رؤساء الکهنة والفریسیون مجمعا وقالوا ماذا نصنع فإن هذا الإنسان یعمل آیات کثیرة إن ترکناه هکذا یؤمن به الجمیع فیأتی الرومانیون ویأخذون موضعنا وأمتنا فقال لهم واحد منهم وهو قیافا کان رئیسا للکهنة فی تلک السنة. انتم لستم تعرفون شیئا ولا تفکرون إن خیرا لنا أن یموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلک الأمامة کلها……..
فمن ذلک الیوم تشاوروا لیقتلوه فلم یکن یسوع أیضاء یمشی بین الیهود علانیة بل مضی من هناک إلی الکورة القریبة من البریة إلی مدینة یقال ها أفرایم ومکث هناک مع تلامیذه.
وکان فصح الیهود قریبا (1).
وقد استغرقت مشاورتهم فترة وجیزة لأن الفصح کان قریبا وهو العید الثالث المشار إلیه فی الخلاف الزمنی وواضح أن إقامة لعازر کانت هی السبب المباشر الذی جعلهم یعقدون مجمعا لیتشاوروا فی أمره لیقتلوه.
وقد سبق حدیثنا عن المعجزات التی رواها مؤلف الإنجیل الرابع وقد أشرنا إلی أن قصة إقامة لعازر من القبر لا أثر لذکرها عند الثلاثة ولا أی منهم.
ومنطقی أنه ما دام قد جعلها السبب المباشر للقبض علی المسیح فإن السبب عند الثلاثة یکون غیرها وهذا ما یؤکده واقع النصوص الثلاثة.
والذی تفیده نصوص الثلاثة أن السبب المباشر الذی حرک رؤساء الکهنة والکتبة ضده هو حادث الهیکل.
قال نص متی: «ودخل یسوع إلی هیکل الله وأخرج جمیع الذین کانوا یبیعون ویشترون فی الهیکل وقلب موائد الصیارفة وکراسی باعة الحمام وقال لهم مکتوب بیتی بیت الصلاة یدعی، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص، وتقدم إلیه عمی وعرج فی الهیکل فشفاهم، فلما رأی رؤساء الکهنة والکتبة العجائب التی صنع والأولاد یصرخون فی الهیکل أوصنا لابن داود غضبوا وقالوا له أتسمع ما یقوله هؤلاء فقال لهم یسوع نعم………….
ولما جاء إلی الهیکل تقدم إلیه رؤساء الکهنة وشیوخ الشعب وهو یعلم قائلین بأی سلطان تفعل هذا ومن أعطاک هذا السلطان فأجاب یسوع……..
ولما سمع رؤساء الکهنة والفریسیون أمثاله عرفوا أنه تکلم علیهم وإذا کانوا یطلبون أن یمسکوه خافوا من الجموع لأنه کان عندهم مثل نبی» (2).
وقال نص مرقس بعد روایة واقعة طرد الباعة والصیارفة مباشرة: «……… وأنتم جعلتموه مغارة لصوص وسمع الکتبة ورؤساء الکهنة فطلبوا کیف یهلکونه لأنهم خافوه (3)«. وبحسب نص مرقس: التقوا به فی الیوم التالی وکان معهم الشیوخ: «وقالوا له بأی سلطان تفعل هذا ومن أعطاک هذا السلطان حتی تفعل (4)«.
وبمثله قال لوقا ثم زاد فقال:
»وطلب رؤساء الکهنة والکتبة أن یلقوا الأیدی علیه فی تلک الساعة ولکنهم خافوا الشعب…..
فراقبول وأرسلوا جواسیس یترائون أنهم أبرار لکی یمسکوه بکلمة حتی یسلموه إلی حکم الوالی وسلطانه» (5).
وتفید نصوص الثلاثة أن ذلک کان قبل یون الفصح بأیام قلائل. وهذا التناقض یؤکد سابقه فی اختلاف کل من نص الرابع والنصوص الثلاثة.
1) [11: 41، 43 و 50، 53- 55].
2) [21: 12- 15، 23، 45، 46].
3) [11: 17، 18].
4) [11: 28].
5) [20: 19- 20].