رواها مؤلف متی (1)، ومرقس (2)، ولوقا (3)، وهاک نص متی:
»ثم أصعد یسوع إلی البریة لیجرب من إبلیس، فبعد ما صام أربعین نهارا وأربعین لیلة جاع أخیرا، فنقدم إلیه المجرب وقال له: إن کنت ابن الله فقل أن تصیر هذه الحجارة خبزا، فأجاب وقال مکتوب لیس بالخبز وحده یحیا الإنسان بل بکل کلمة تخرج من فم الله، ثم أخذه إبلیس إلی المدینة المقدسة وأوقفه علی جناح الهیکل وقال له: ان کنت ابن الله فاطرح نفسک إلی أسفل لأنه مکتوب أنه یوصی ملائکته بک فعلی أیادهم یحملونک لکی لاتصدم بحجر رجلک، قال له یسوع أیضا لا تجرب الرب إلهک، ثم أخذه أیضا إبلیس إلی جبل عال جدا وأراه جمیع ممالک العالم ومجدها وقال له أعطیک هذه جمیعها إن خررت وسجدت لی.
حینئذ قال له یسوع اذهب یا شیطان، لأنه مکتوب للرب إلهک تسجد وإیاه وحده تعبد، ثم ترکه إبلیس، وإذا ملائکة قد جاءت فصارت تخدمه» (4).
وأرکان هذا النص ثلاثة:
(1) المجرب- بالفتح- وهو المسیح بعد أن عمده یوحنا ونزل علیه الروح القدس بهیتة جسمیة کحمامة.
(2) المجرب- بالکسر- وهو إبلیس. وقد أعطی إبلیس سلطانا عظیما لکی یفتنه.
(3) التجربة أو محاولة الفتنة، وهی واضحة فی هذا النص علی نواحی الإغراء والفتنة، وفی نص لوقا أنه أصعد المسیح إلی جبل عال وأراه جمیع ممالک المسکونة فی لحظة من الرمان وقال له إبلیس:
لک أعطی هذا السلطان کله ومجدهن لأنه إلی قدم دفع وأنا أعطیه لمن أرید فإن سجدت أمامی یکون لک الجمیع(5) وهی تجربة لا تجوز إلاعلی البشر إن وقعت.
ولا یقبل العقل أن تکون هذه التجربة قد وقعت إلا علی إنسان لأن المسیح تعرض للجوع الشدید فهل یستمر إیمانه ثابتا أم یتحول إذا عرضت علیه المغریات. وقد نجح
المسیح، وجاز التجربة وفی نجاحه دلیل علی أصالة ثقته بریه وایمانه ویقینه.
وفی النص علی حدوث هذه التجربة للمسیح من إبلیس دلیل نفی دعوی تألیهه، لأن الله تعالی أعز من ذلک وأجل وأکرم، ولا یقبل عقل عاقل أن یتصور أن إبلیس یقف أمام الله ویطلب منه أن یسجد الله له. وهذا یلزم القائلین بالتألیه، وذلک لأن المسیح فیما یدعون هو الله الکلمة الذی صار جسدا. ویلزم القائلین بتجسد أقنوم الإبن دون الآخرین. فإن کل أقنوم بمفرده فیما یدعون هو الله، مجموع الثلاثة هو الله. ولا یمکن لهم أن یتعللوا بأی تعلة لأن التجربة کانت بعد هبوط روح القدس- الحامة علیه. وبعد أن زکاه الآب من فوق بما سمعته الآذان من قوله: هذا هو ابنی الحبیب.
لایقبل العقل إلا الإعتراف ببشریة المسیح فقط لخضوعه کغیره للإغراء والفتن فی عالم الاختیار بین الکفر و الإیمان.
ولعل ذلک من وراء إغفال مؤلف الإنجیل الرابع لذکر هذه الحادثة التی أجمع علیها الثلاثة. أنه لو رواها لهدمت علیه هیکل دعواه وبناها. فأغفلها وکأنه ما سمع بها، وجاء نص مؤلفه خالیا من أی إشارة إلیها.
1) [4: 1- 11].
2) [1: 12- 13].
3) [4: 1- 12].
4) [متی 4: 1- 11].
5) [لوقا 4: 5- 7].