و قد جاء بالنص مجموعة من التعلیقات. فالجیران عندما تأکدوا من إبصار هذا الرجل بعد أن کان أعمی یجلس و یستعطی سألوه: کیف انفتحت عیناه، فأخبرهم. فذهبوا إلی الفریسیین، و من العجیب أن ذلک أیضا حدث یوم سبت حین أبصر!!. و هؤلاء استفسروا منه فحکی لهم الکیفیة و لم یصدقوا فدعوا أبویه، فأکد أنه کان أعمی منذ ولادته، و أما کیف أبصر. فهما لایعلمان عن السبب أکثر مما یقول و ابتدأ الاستجواب الثانی لذلک الذی کان أعمی فأبصر.
1- جاء بأقواله عن المسیح أنه نبی- فی رأی الذی کان أعمی- و نفی عن المسیح أن یکون خاطئا کما یزعم الفریسیون- لأنه فی رأیهم خالف شریعة السبت. بینما هو بار لأن الله لایسمع للخطاه. و حاجهم فی المقارنة بین المسیح و موسی: بأنهم إذا کانوا یقولون بأنهم یعلمون من أین موسی الذی کلمه الله، وهم من تلامیذه، فإن المسیح من الله. ولو لم یکن منه لم یقدر أن یفعل ما فعل. و جاء أیضا بأقواله: منذ الدهر لم یسمع أن أحدا فتح عینی مولود أعمی. ولما التقی بالمسیح آمن بأنه دین الله- کما طلب المسیح منه- ثم سجد للمسیح.
2- ثم بدأ الحدیث علی لسان المسیح. یتخاله بعض الأحیان سؤال من الیهود أو محاولة منهم للاعتداء علیه بالرجم و ذلک بسبب ما کانوا یسمعونه منه:
1- بدأ المسیح یقول: لدینونة أتیت أنا إلی هذا العالم حتی یبصر الذین لا یبصرون و یعمی الذین یبصرون. فسمع هذا الذین کانوا معه من الفریسیین و قالوا له: ألعلنا نحن أیضا عمیان قال لهم یسوع. لو کنتم عمیانا لما کانت لکم خطیة. ولکن الآن تقولون إننا نبصر فخطیتکم باقیة» (1).
ب- ثم یبدأ بعد ذلک التعلیق الذی شغل به الإصلاح العاشر من أوله إلی آخر فقرة فیه (2)، و هو بقیة الحدیث الذی أتی به المؤلف علی لسان المسیح.
بدأ المسیح الحدیث عن نفسه بأنه باب الخراف (3)، و قد تحدثنا عن هذا النص. فی موقف المؤلف من «یوحنا المعمدان» و محل العجب من قوله علی لسان المسیح:
»جمیع الذین أتو قبلی هم سراق ولصوص» و یقصد بذلک الرسل و الأنبیاء، کما یفهم من سیاق النص، و هو ما لم یوافقه علیه المفسرون المعتدلون.
و ربما لزم هنا أن نقول کلمة موجزة. و هی أن الربط بین القصة کما جاءت بالنص، و بین قوله: منذ الدهر لم یسمع أن أحد فتح عینی مولود أعمی- جمیع الذین أتو قبلی هم سراق ولصوص- إن یوحنا لم یفعل آیة واحدة عن (4) عن المعمدان و بذلک یتضح هدفه من النیل من أقدار الجمیع فکلهم من الأرض و من الأرض یتکلمون، أما یسوع المسیح فهو من الله و هو من عند الله و هو الله من السماء نزل وإلی السماء یصعد.
و جاء فی التعلیق علی لسان المسیح من نص المؤلف. حدیث عن الصلب الإختیاری فی أسلوب خفی من قوله:
»أنا أضع نفسی عن خراف لهذا یحبنی الآب لأنی أضع نفسی لآخذها أیضا.. لیس أحد یأخذها منی بل أصنعها أنا من ذاتی. لی سلطان أن أضعها ولی سلطان أن آخذها أیضا هذه الوصیة قبلتها من أبی» (5).
وحدث انشقاق بین الیهود بسبب هذا الکلام: فقال کثیرون منهم: به شیطان وهو یهذی لماذا تستمعون له. و آخرون قالوا لیس هذا کلام من به شیطان «ألعل شیطانا یقدر أن یفتح أعین العمیان» (6).
وجاء فی التعلیق من کلام المؤلف علی لسان المسیح أن الیهود سألوه. إن کنت أنت المسیح فقل لنا جهرا فقال:
»إنی قلت لکم ولستم تؤمن الأعمال التی أعملها باسم أبی هی تشهد لی» إلی
قوله»أنا و الآب واحد» (7) و معنی ذلک أن المسیح (8) یدعی الألوهیة، التی بدأ المؤلف إنجیله بالحدیث عنها و التی ظهرت أیضا من النصوص السابقة سواء ما قرره المؤلف بلسان نفسه.أم بلسان غیره من الیهود. أو یوحنا المعمدان، أو المسیح، و هو هنا یقرر عقیدته علی لسان المسیح.
والعجیب أن الأناجیل الثلاثة لم یرد بها أی روایة عن هذا الادعاء الکبیر الذی یدعیه قائله «أنا و الآب واحد» بل إن هذا الحوار الذی یدور بهذه النغمة فی هذا الإنجیل لانظیر له بین الثلاثة. ذلک لأن هذا الإنجیل «طراز وحده» و «عالم آخر» ألف لیقول «بتألیه المسیح«، و هو وحده الذی ادعی علی المسیح ما تفرد به من الأفعال و الأقوال. وهذه أیضا المعجزة التوحیدة التی تمیزت بأنها شفاء مصاب منذ ولادته، من بین معجزات المسیح.
و جاء فی التعلیق من کلام المؤلف أن الیهود تناولوا حجارة لرجم المسیح بعد قوله: «أنا و الآب واحد» و انتهی حوار المسیح معهم إلی قوله:
»إن کنت لست أعمال أبی فلا تؤمنوا بی، ولکن إن کنت أعمل فإن لم تؤمنوا بی فأمنوا بالأعمال لکی تعرفوا و تؤمنوا أن الآب فی و أنا فیه» و هذا معناه أن المسیح یدعی بنفسه الألوهیة لنفسه.
و لم یغفل التعلیق علی هذه المعجزة الرد علی اتباع المعمدان أیضا فقال فی أخره: «فأتی إلیه کثیرون و قالوا إن یوحنا لم یفعل آیة واحدة، ولکن کل ما قال یوحنا عن هذا کان حقا فآمن به کثیرون» (4).
و نخلص إلی نتیجة بحثنا لقصة هذه المعجزة التی جاءت بالنص: و هی:
1- أن هذه هی القصة الوحیدة التی رویت عن شفاء مریض منذ ولادته. دون ما جاء بالأناجیل الأربعة.
2- أنها کما یفهم من مقدمتها الفلسفیة إنما جاء المؤلف للرد بلسان المسیح عن السؤال عن «علة الخطایا«.
3- أنه لم یجب عن المشکلة الفلسفیة و إنما أجاب مؤیدا تألیه المسیح.
4- إنه أتبعها بتعلیق طویل جدا بنغمته، الخاصة لکی یجعل منها دلیلا علی ألوهیة المسیح. و أنه حط من قدر موسی ویوحنا المعمدان وغیرهما ممن وصفهم بأنهم سراق ولصوص.
5- أنه انفرد من دون الثلاثة بذکرها کما خالفهم فی نظرته للمسیح و معجزاته إلی القول بتألیهه و استخدام المعجزات کشواهد علی التألیه.
1) [9: 39- 41].
2) [10: 1- 42].
3) [10: 1- 15].
4) [10: 41].
5) [10: 15- 18].
6) [10: 21].
7) [10: 30].
8) [10: 25].