جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

مشکلة فلسفیة

زمان مطالعه: 4 دقیقه

و العجیب أنه قدم هذا التساؤل علی لسان تلامیذ المسیح من قوله: من أخطأ؟ هذا؟ أم ابواه؟؟ و کأن التلامیذ فی مستوی تلمیذ مدرسه الاسکندریة مؤلف الإنجیل الأفسسی. و هذا السؤال لایتأتی من أشخاص کتلامیذ المسیح بمستواهم الثقافی و المادی کما سبق توضیحه من أن الأمیة التامة کانت الطابع الممیز لأکثر الإثنی عشر، و أن بعضهم کان له إلمام ببعض مبادیء القراءة و الکتابة، و أن القلیل منهم من کان قریبا من مستوی متی کاتب الحسابات الذی کان فیما نظن أعلاهم کعبا فی هذا الشأن، و مع ذلک فلم یکن بینهم المثقف المطلع علی علوم الفلسفة حتی یسأل مثل هذا السؤال عن سبب عمی هذا الشخص. أبسبب خطئه هو؟ أم بسبب خطأ والدیه؟؟

و هی مشکلة فلسفیة من النوع الذی لایظهر فی بدایات عهود الدعوة الأولی فی الأدیان، و إنما تظهر بعد عهد الاتباع و الاستیعاب، حین تبدأ عهود البحث و المناقشة الإجمالیة و المواءمة، و هذا المستوی الفکری غریب علی مجتمع الحواریین السذح البسطاء الذی أحبوا معلمهم بالفطرة و تبؤوا منازل الصفوة عن بساطة قلب و طیب خاطر.

و هذا المولود أعمی لایمکن أن تکون خطیئته سببا لولادته أعمی. إلا عند المعتقد

بتناسخ الأرواح (1). حیث یمکن أن تکون إجابة المعتقد بجواز ارتکاب روح هذا الأعمی لخطیئة سابقة فی مرحلة من مراحل وجودها فی حیاة سابقة فی جسد آخر من قبل، مما استحقت العقاب فی حیاتها الحالیة فی هذا الجسد للمولود أعمی، و هذه خلفیة محتملة لمن یسأل مثل هذا السؤال. و یصح أن یکون الاعتقاد بتناسخ الأرواح هو المنطق لهذا السؤال. وتکون الإجابة الموافقة لاعتقاده هی أنه أخطأ فی حیاة سابقة لهذه المرحلة.

و إذا کان ما أصاب هذا المولود أعمی بسبب خطیئة أبویه أو أحدهما. فإن ذلک یعنی: نسبة الظلم إلی الله- تعالی- و هذا إشکال أیضا لایقل عن سابقه فیلزم من الأول الاعتقاد بتناسخ الأرواح و هو اعتقاد وثنی ویلزم من الثانی نسبة الظلم لله. و هو شبیه بذلک الإشکال الذی کان السبب الخفی- فیما یستنتج- من وراء قصة المرأة الزانیة: هل یکون موقف أناجیل الکنیسة مثل موقف الیهود و کتبهم من إدانة هذه الجریمة؟؟ أم یکون موقفها موافقا لما درج علیه عباد أرطامیس فی أفسس؟؟ فجاء المؤلف بالحل الذی یتفق و رغبات الطالبین.

و هنا أیضا نفس التحول ظاهر فی الحل الذی جاء به المؤلف موافقا لرغبة من طلبوا إنجیلا للتألیه المسیح فکانت الإجابة:

»لا هذا أخطا و لا أبواه، لکن لتظهر أعمال الله فیه» و المقصود هو الله المتجسد فی یسوع المسیح، الکلمة الذی صار جسدا.

و من العجیب أن الأناجیل الثلاثة لم یرد بها أی معجزة تتحدث عن شفاء مریض مصاب منذ ولادته. و «هذه هی المعجزة الوحیدة فی البشائر التی کان فیها المریض مصابا منذ ولادته«(2) کما قال ولیم بارکلی فی تفسیره لها.

و السبب: هو أن المؤلف الفیلسوف أراد أن یعالج هذه المشکلة الفلسفیة فجاء بهذه القصة و قدم لها بهذه المقدمة لکی یصل منها إلی ما سنوضحه بعد. فی تعلیقه علیها بلسان المسیح.

یقول الدکتور إبراهیم سعید فی تفسیره لهذه القصة: فی البند)3) «المشکلة الفلسفیة التی سبقتها:

سؤال التلامیذ (عدد 2) عجیب أن هؤلاء الصیادین یلهون بالمشاکل الفلسفیة عن أعمال الرحمة، فی وقت ینشغل فیه رب الحکمة و العلم، عن کل فلسفة کلامیة، بأعمال الرحمة الإلهیة. ربما فی هذا برهان علی أن أکثر الناس رغبة فی إثارة المشاکل اللاهوتیة الفلسفیة، لیسوا هم أوسع الناس عقولا. بل أضیقهم قلوبا، فوا رحمتاه علی القرون الطوال صرفتها الکنیسة فی المجادلات الکلامیة و انصرفت بها عن المشروعات التبشریة الجلیلة» أ. هـ.

ثم یقول تعلیقا علی سؤالهم «من أخطأ هذا؟» ما نص «علی اعتبار أن أرواح البشر کانت عائشة قبل حلولها فی الأجساد، و أنها ارتکب خطأ فی وقت سابق لتجسدها» ثم اشار إلی أن هذا الأعتقاد هو فکرة تناسخ الأرواح (3)، ثم انتهی إلی القول: بأن سؤالهم «أم أبواه» مؤسس علی ما فهموه من قوله الله فی الخروج (4) «افتقد ذنوب الآباء فی الأبناء» إلی القول:

»و بما أن تلامیذ لم یکونوا مقتنعین بأحد هذین الحلین، نظرا للصعاب التی تحیط بکل منهما: فالأول عسیر و الکلام فیه کثیر، و الثانی: یتنافی فی ظاهره مع عدالة الله، لذلک التجأوا إلی المسیح لیحل لهم هذه المشکلة القدیمة المجددة (مشکلة علة البلایا) (5)» أ. هـ

و هذا السؤال عجیب حقا فی مثل هذا الموقف أمام إنسان مصاب بالعمی، و أعجب منه أن یکون من صیادین لا صلة لهم بالفلسفة و مشاکلها، و إنا لنأسف علی تلک القرون الطوال التی صرفتها الکنیسة فی المجادلات و المشاکل اللاهوتیة الفلسفیة التی فتح بإبها هذا الإنجیل الفلسفی، فحولها عن مجراها و صرفها عن مرتجاها.

و إذا کانت مؤاخذة الأبناء بذنوب الآباء تنافی فی الظاهر مع عدالة الله، فإنها کذلک فی الباطن تتنافی مع عدالة الله و القول بالصلب الذی وقع علی المسیح بزعمهم فداء للخطیئة الموروثة یتنافی مع عدالة الله. فهل تراهم یفطنون إلی منطق العدالة فیریحو و یستریحو و ینزهون الله تعالی عن الظلم الذی یقولون به…


1) تناسخ الأرواح: من عقائد الهنود البراهمة: راجع الشیخ محمد أبو زهرة مقارنات الأدیان- الدیانات القدیمة. ص 43. و راجع کذلک أستاذنا الدکتور أحمد غلوش. دراسات فی الأدیان- أدیان العالم القدیم. ص 58.

2) ولیم بارکلی: شرح بشارة یوحنا. ص 81.

3) إبراهیم سعید. شرح بشارة یوحنا. ص 348- ولنا معه وقفة: ذلک أنه أشار إلی فکرة تناسخ الأرواح. و قال إنها لم تکن غریبة علی تلک الأیام و أشار إلی نصین [تک 25: 22] و [مزمور 51: 7] و الأول عن سفر التکوین. و قد رجعنا إلی السفرین فلم نجد ما یفید. أو یشیر إلی تلک العقیدة لا من قریب و لا من بعید، و هذا الرجل یرید أن یقول أن ذلک کان شائعا بین الیهود. و هذا بعید، و القریب أن ذلک من ثقافة مؤلف الأنجیل الرابع و أنه جاء بهذه المشکلة الفلسفیة و البسها ثوب قصة تاریخیة.

4) [20: 5].

5) إبراهیم سعید: شرح بشارة یوحنا. ص 385.