مدلوله: حلول و اتحاد الله- المسمی کلمة فی هذا الإنجیل بجسد یسوع المسیح دون أن یفقد ألوهیته.
و سنعود إلی الحدیث عن تجسد الکلمة عند شرحنا للنص إن شاء الله.
و التجسد بهذا المعنی هو المقصود بحلول الآب فی المسیح، فیما رواه، مؤلف الإنجیل الرابع علی لسان المسیح «الآب الحال فی» الآب فی و نحو ذلک…
و لنا بعض استفسارات عن القول بألوهیة المسیح علی النحو الذی ظهر فیما سلف قبل أن نناقش دعواهم التی یتمسکون بها.
والذی یلزمنا الآن هو: معرفة کیفیة وصف المسیح بأنه «ابن الله» مع أنه فی ذات الوقت هو الله الذی هو آب الابن؟؟ فإذا کان الله و الآب بمعنی واحد!! فلم لا یوصف المسیح بأنه الآب مع أنه یوصف- عندهم- بأنه الله المتجسد؟؟ و ما معنی البنوة؟؟
إن کانت حقیقیة لزم مغایرة الآب للابن سواء کانت بنوة معنویة کما یدعون- أو جسدیة کما لایقبلون.
و إن کان الاب والابن هما ذات واحدة هی ذات الله، فلا مغایرة بین الموصوف بالأبوة و بین الموصوف بالبنوة، فهذه إذن تسمیة مجازیة أو وهمیة لاحقیقة لها.
و هذا ما تعارف علیه العقلاء فی أصول وضع الألفاظ.
فاللفظ یوضع لمعنی محدد، بحیث یمیزه عن غیره من المسمیات. فلفظ «العلم» مثلا موضوع لمعنی غیر المعنی المقصود من لفظ «الجهل«، أو- یوضع و یقصد به ذات مشخصة معینة بحیث یمیزها عن غیرها من الذوات- الأخری. أو بحیث یمیزه عن غیره من الأجناس و الأنواع الأخری.
و لفظ «الإبن» من الأسماء التی روعی عند وضعها النسبة إلی موصوف آخر بالأبوة، و کذلک لفظ الأب «یراعی عند إطلاقه النسبة إلی موصوف آخر بالنبوة«.
فلو أطلق علی شخص اسم «محمد» فإذا أنجب یقال له «أب» بالنسبة إلی ابنه الذی أنجبه. و لنفرض أن ابنه سمی «علیا» فإذا قیل لعلی أنت «ابن محمد» فمعناه مطلق بالنسبة إلی أبیه.
و أبوه «محمد» ابن بمراعاة نسبة أخری هی النسبة إلی والده فیقال محمد بن فلان. و کذلک الأمر مع مراعاة نسبة أخری إلی «علی» فیصح أن یطلق علیه «أب» إذا ما أنجب ولدا هو الآخر.
أما إذا لم یکن غیر شخص واحد فقط لنفرض أنه «محمد» و لنفرض أنه لم ینجب ولدا. فلا یصح أن یطلق علیه لفظ «أب» إلا علی ضرب من المجاز و التأویل.
و لم یعهد أن یطلق علیه «أب» بالنسبة إلی ذاته هو فلا یقال «محمد» هو أبو نفسه أو ابن نفسه.
فکیف یحمل إذن اطلاقهم علی المسیح أنه «الله» و أنه «ابن الله«؟؟ بصرف
النظر مؤقتا عن وصفهم بأنه الله بقصد: الحلول و التجسد. و ما معنی أن یوصف بأنه «الله» و أنه «ابن الله«.
فإذا قیل الله- ابن الله- فلا وجه إلا واحدا من اثنین:
الأول: أن الله- الأب- إنجب الله الابن- فیکون هناک إلهان. و لا وجه حینئذ للتمسک بالقول بأن الإثنین إله واحد.
الثانی: إذا کان الله الأب هو الإله الابن، و أنهما إله واحد لم یلد و لم یولد، لیس له ابن و لیس له والد، فالتسمیة إذن من باب اللغو. کأن یقال إن محمدا ابن محمد عینه. أو: إن الله ابن نفسه.
و من هذا اللغو ما فی العقیدة الأرثوذکسیة من أن الله واحد. کان یسمی قبل التجسد الآب، و من بدایة حمل مریم به و تجسده حتی موته علی الصلیب یسمی ابن الله. و من بعد ذلک یسمی الروح القدس. فکأن إطلاق هذه الأسماء یقصد به مراحل زمنیة فی حیاة ذاته الواحدة (1) و هذا لغو. فلم القول بالشرکة المقدسة المکونة من الثالوث إذا کان المقصود إلها واحدا؟؟
و قد حاء بنصوص الأناجیل ما یفهم منه المغایرة بین الأب و الابن، و تفصیل الآب علی الإبن فی أمور کثیرة، و نأخذ هنا مثلا واحدا من تلک النصوص. فقد أفاد نص مرقس أن «الإبن» لایعلم بالیوم الأخیر لأن علم ذلک الیوم خاص «بالأب» وحده لاشریک له إذ جاء به:
»و أما ذلک الیوم و تلک الساعة فلایعلم بهما أحد، و لا الملائکة الذین هم فی السماء و لا الابن إلا الآب» (2). فهل یحتاج هذا النص إلی توضیح و تفسیر أن الآب یعلم و الابن لایعلم. فهما إذن متغایران. و القول بأن التثلیث یقصد به مراحل زمنیة من حیاة الله… لایستقیم أیضا مع هذا النص. لأنه یترتب علیه أن الأب قبل التجسد کان یعلم ثم نسی بعد التجسد، و لم یبین لنا هذا النص هل عاد إلیه علمه بعد الصلب فی مرحلةالروح القدس أم لا؟؟
و أولئک القائلون بالتثلیث و مساواة الإبن للآب یرد علیهم: بأن الآب- یزید فی العلم عن الابن لأن الآب یعلم الیوم الأخیر و الابن لایعلمه فلا مساواة.
1) أحمد السقا: الله وصفاته فی الیهودیة و النصرانیة و الإسلام. ص 73، ص 80.
2) [مرقس 13: 32].