وکان قیاصرة الروم یسمعون عن بعض الشعوب التی تقدس ملوکها و تخلع علیهم من صفات الآلهة ما یدنیهم من مراتبها أو یلحقهم بها. فعمد بعض منهم إلی حمل الشعوب علی عبادة القیاصرة. و لم تبدأ عبادة القیصر بتألیه الإمبراطور بل بدأت بتألیه روما فقد جعلت الإمبراطوریة إلهة هی الأخری و سمیت «رومة«. و هی بمثابة تشخیص لروح الدولة کلها، و قد أقیم المعبد الأول لعبادة «رومة» من قبل المیلاد بقرنین من الزمن. ثم تطورت إلی عبادة قیصر نفسه لأنه رمز الدولة ثم سمح فی عهد الإمبراطور أغسطس سنة (29) ق. م ببناء هیاکل لعبادة الإلهة «رومة» فی أفسس و نیقیة لعبادة رومة و القیصر.
ثم شاع بناء المعابد بعد ذلک و ذاع حتی أصبحت العبادة التی تحظی بأکبر عدد من الناس، و ذلک لا تساع أرجاء الدولة. و قد صار لهذه المعابد کهنة نالوا شرفا عظیما..
و کانت هذه العبادة دلیلا علی الولاء للدولة و القیصر، و کان مسموحا إلی جوارها بعبادة الآلهة المحلیین و غیرها، إلا أن الإمتناع عن العبادة الرسمیة عبادة الدولة و قیصر- یعنی العصیان و الخروج علی القانون و النظام.
و لم یکن هناک استثناء من عبادة قیصر لشعب من شعوب الدولة فیما نعلم إلا للیهود نظرا لامتیازات دینیة و سیاسیة حصلوا علیها من الرومان.
و من أسباب اضطهاد السلطة الرومانیة للمسیحیین بعد المسیح هو أنهم لم یعترفوا بقیصر و لا بعبادته، و بذلک وقعوا فیما لم یستطع الیهود أن یجعلوا المسیح یقع فیه لأنه قال: «أعطوا ما لقیصر لقیصر، و ما لله لله«(1).
و یجمل بنا أن نلقی نظرة علی القیاصرة الذین حکموا الدولة الرومانیة خلال القرن المیلادی الأول. وهم أحد عشر فی الفترة من سنة [31 ق. م- إلی سنة [96 م].
و قد کانت موافقهم من عبادة القیصر کما یلی:
1- أغسطس: [31 ق. م- 14 ب. م] سمح بعبادة یولیوس قیصر سابقه و لم یسمح للرومان بعبادته هو و إنما سمح للرعایا من غیر الرومان أن یعبدوه و لم یلزم أحدا بعبادته (و قد ولد المسیح فی عهده(.
2- طیباریوس: [14- 37 م] حاول تجمیدها، و منع بناء المزید من المعابد التی تقام بقصد عبادة القیاصرة.
3- غایوس کالیجولا: [37: 41 م] و قد اشتط فی إلزام جمیع الرعایا بعبادته حتی الیهود و قد حاول أن یضع صورته داخل قدس الأقداس فی هیکل أورشلیم إلا أن المنیة عاجلته.
4- کلودیوس قیصر: [41- 54 م] و قد تسامح فمنح الیهود حریة العبادة، و وافق علی امتناعهم عن عبادة القیصر. و قد کتب لحاکم الإسکندریة بمناسبة ارتقائه العرش (إستغفر من إقامة رئیس کهنة لعبادتی، و من بناء هیاکل باسمی لست أرید أن أضایق معاصری فإن العبادة کانت دوما للآلهة الخالدة المبجلة((2).
5- نیرون: (54- 68 م] مع ما اشتهر عنه من اضطهاد المسیحیین، إلا أن ذلک لم یکن بسبب رفضهم عبادته، فلم یکن یصر علیها.
6- جالبا- أوتوا- فیتیلسیوس: [68- 69 م] و قد حکم هؤلاء الثلاثة سنة و نصف سنة و نظرا لانتشار الفوضی لم یثر أحد مسألة عبادة القیصر.
7- فسباسیان: [69- 79 م] لم یصر علی عبادة الناس له.
8- تیطس: [79- 81 م] و هو عاقل مثل سابقه.
9- دومیتانوس: [81- 96 م] و قد أخذ الموضوع مأخذ الجد و حمل الناس علیه حملا، و أقام تمثالا لسلفه کتب علیه «تیطس الإله بن الإله فسباسیان«
و قد أذاق کل من امتنع عن عبادة القیاصرة مر العذاب، و اشتدت الوطأة علی الیهود و المسیحیة، و کان الشعب یهتف له فی الاحتفالات «المجد لربنا و لزوجته«.
وقد کان الموت مصیر من ینکر علی القیصر حق العباة أو ینکر ألوهیته. و فی عهد هذا الإمبراطور نفی «یوحنا بن زبدی» تلمیذ المسیح إلی جزیرة بطمس، و لمی یفرج عنه إلا بعد موته.(3).
1) [مرقس 12: 17]، [و لوقا 20: 25].
2) ولیم بارکلی: تفسیر سفر الرؤیا [ص 26].
3) المرجع السابق [ص 27].