جرت عادة الکتاب علی اعتبار الحیاة الدینیة أو الحالة الدینیة مثل الحالات الاقتصادیة و السیاسیة و الاجتماعیة للعصر الذی یتناولون دراسته، أو الأمة التی یعنون ببحث جوانب حیاتها.
و کان من المنتظر أن نلحق الحالة الدینیة بأخواتها هناک، و لکننا أردنا أن نفردها هنا لأمرین:
أولهما: أننا نفضلها علی غیرها لأن الدین أسمی ما یمیز الإنسان و هی إنما تستمد شرفها من شرف موضوعها.
و ثانیها:أن موضوعنا فی البحث قضیة دینیة، فلذلک أولیناها من الإهتمام ما یجعلها فریدة.
لقد اتسع سلطان روما حتی شمل العالم المعمور، ما عدا الشرق الأقصی. وکان عالم روما، و کانت الجیوش الرومانیة خلیطا من جمیع الأمم فکانت بمثابة البوتقة التی تنصهر فیها معارفها و عقائدها و تقالیدها فتخرج مزیجا، أو خلیطا متمیز الأجزاء.
و کانت الجیوش لا تکف روما عن تحریکها من العاصمة إلی أطراف الدولة، و من أطرافها إلی الداخل و إلی أطراف أخری. اتقاءا لشغب الجند إذا ما أحسوا بالراحة و الإسترخاء أو توطیدا للأمن من أطرافها من الثورات و القلاقل خوفا من اندلاعها أو القضاء علیها فکانت الجیوش بذلک عوامل اتصال. و تعارف علی العادات والشعوب و العقائد بالإضافة إلی التجارة و غیر ذلک من وسائل الإتصال.