جاء بالنص علی لسان المسیح قوله:
(1) «أنا أسأل الآب فیعطیکم………..» (1) وفی بداهة العقول ما یؤکد هذا النص المنقول أن السائل غیر المسئول، وأن السائل محتاج، والمسئول المعطی. غنی السائل مخلوق هو المسیح والمسئول هو الله الآب.
والإصحاح السابع عشر من أوله إلی آخره فی هذا النص کله دعوات ومناجاة لله. طلب لنفسه «أیها الآب قد أتت الساعة مجد ابنک لیمجدک ابنک أیضا…… (2). والساعة المقصودة هی التی طلب من الله فیها أن ینقذه من شرهم و مکرهم.
وکذلک طلب من الله لتلامیذه أن یحفظهم، ولعامة المؤمنین، کما تحدثنا عن ذلک فی موضوع الصلاة المعطلة. وسواء کان هذا الطلب وقع فعلا من المسیح أم لم یقع أو کان مطلوبه لهم من الله وهو غیره، فإننا هنا نتحدث عن احتیاجه لله. ومن البداهة أنه ما دام قد طلب مجرد طلب فهو محتاج لله سواء طلب لنفسه أم لغیره.
وقد تکرر علی لسان المسیح بالنص فی الإصحاح المشار إلیه فقط لفظ «أسأل» أربع مرات، وقد طلب بغیر هذا اللفظ أربها مثلها فیه أیضا.
(2) یشکر المسیح الآب:
»ورفع یسوع عینیه إلی فوق وقال: أیها الآب أشکرک لأنک سمعت لی وأنا علمت أنک فی کل حین تسمع لی ولکن لأجل هذا الجمع الواقف قلت لیؤمنوا أنک أرسلتنی…» (3).
والنص واضح الدلالة فی المسیح الرسول الذی یشکر الله الذی أرسله وأیده وقد تقدم لهذا النص مزید من التفصیل عند الحدیث عن قصة لعازر.
(3) ومن خلال مناجاته فی الاصحاح السابع عشر نلاحظ أنه کان ینهی لله ما قام به من تبلیغ أمره ورسالته للذین بعثه الیهم.
فقد جاء بالنص علی لسانه قوله: «وهذه هی الحیاة الأبدیة أن یعرفوک أنت الإله الحقیقی وحدک، ویسوع المسیح الذی أرسلته. أنا مجدتک علی الأرض العمل الذی أعطتینی لأعمل قد أکلمته…….
أنا ظهرت اسمک للناس الذین أعطیتنی من العالم………….
الکلام الذی أعطیتنی قد أعطیتهم وهم قلبوا وعلموا……………» (4).
فهذه صورة العبد الذی یخشی لقاء السید ویستعد له، فهو من موطن التکلیف یقدم تقریره الختامی عن المهمة التی کلف بها، وسوف یسأل عنها، وهو بذلک یؤکد أنه بلغ الرسالة التی کلفه بها مولاه لمن أرسله الله إلیهم وهم قبلوا وعلموا یقینا، أن الله یأمرهم بکذا وینهاهم عن کذا، فإن استقاموا فأمرهم إلی الله وإن ضلوا فأمرهم أیضا إلی الله أن شاء عذبهم لأنهم عباده، وإن غفر لهم فهو الغفور الرحیم ولا تبعة بعد البلاغ علی الرسول لأنه بلغ الرسالة، وأدی الأمانة.
وهذا شبیه بموقف محمد صلی الله علیه وسلم حین قال فی خطبة حجة الوداع: «قد بلغت اللهم فاشهد» وذلک لأن کلل الرجلین مکلف ومسئول یستعد للقاء الله الذی کلفه ویحاسبه، وهذا النص الذی بین أیدینا عن المسیح ظاهر الوضوح والدلالة علی ما نذهب إلیه، ولا یتأتی من المسیح أن یقول ذلک لو کان إلها أو بعض إله، فإذا کان المسیح هو الله فهل کان الناسوت یخاطب اللاهوت الحال بصوت مسموع دون أن یکون لهذا الکلام فائدة؟! وإذا کان المتحدث الناسوت والمتحدث إلیه هو أقنوم الآب ترک أقنوم الروح و لم یتوجه له؟! و إذا کان الحال فیه هو الإبن فلم لم یتحدث إلیه علی القول بوحدانیة الذات والجوهر. للحال فی الأرض ولمن بقیا فی السماء؟!. إلی غیر ذلک من المتاهات والمتناقضات، وهل المتحدث هو المسیح بناسوته ولاهوته الذی هو الله کله؟! فلمن کان یوجه الخطاب؟ ومن الذی رد علیه بما لا یتأتی إلا من الله المخاطب؟؟
فقد جاء بالنص علی لسان المؤلف أن المسیح طلب من الآب فرد علیه: «أیها الآب مجد اسمک، فجاء صوت من السماء مجدت وأمجد أیضا» (5).
غیر معقول أن یکون الآب المتجسد هو التکلم والمخاطب، فلا یبقی إلا أن یکون کلاهما غیر الآخر؟؟ فإن کان الذی علی الأرض الإبن والذی فی السماء الآب فهل کلاهما واحد- کما یزعمون- أو کلاهما إله. وهل الإله الإبن یخشی علی نفسه من حساب الإله الآب؟؟
ولا یبقی إلا مخرج واحد أن المتحدث بشر، والآب هو الله والمتحدث یشهده أنه قد أدی ما علیه من واجب التبلیغ وأنه أصبح خالی الذمة من العهدة، والمکلف أدنی والمحاسب أعلی.
الملکلف إذا احتاج سأل، وإذا اعطی شکر، وإذا وفی أشهد، لأنه سیسأل
1) [14: 16].
2) [17: 1].
3) [11: 41، 42].
4) [17: 3، 4، 6، 8].
5) [12: 28].
