فتقول للنصاری: قد زعمتم أن معبودکم عبارة عن ثلاثة أقانیم، و هی الوجود والحیاة والعلم. فما دلیلکم علی حصرها فی هذا العدد؟ و بم تنکرون علی من یری أنها أربعة، و یزید القدرة فیصیر التثلیث تربیعا؟
فإن قالوا: لا حاجة إلی ذلک. إذ فی أقنوم العلم مندوحة عن إثبات القدرة. قلنا: لا نسلم لکم ذلک. فمن أین یلزم من حصول العلم حصول القدرة؟ فقد یکون الواحد عالما و لا یکون قادرا، إذ حظ العلم أنه یکشف المعلوم و معرفته علی ما هو به. و حظ القدرة: الاختراع والإیجاد؛ فلا یلزم من معرفة الشیء إیجاده. و لو جاز الاجتزاء بالعلم عن القدرة؛ لجاز الاجتزاء بالحیاة عن العلم. و کما لا یلزم من الحی أن یکون عالما؛ فکذلک لا یلزم من العالم أن یکون قادرا و کما أن العلم لا یفقد إلا و یخلفه ضده و هو الجهل؛ فکذلک القدرة لا یجوز أن تفقد إلا و یخلفها ضدها و هو العجز.
و قد أوجد الباری تعالی العالم بعد أن لم یکن. و ذلک أثر القدرة لا أثر العلم، و إلا فقد کان العلم حاصلا لله تعالی قبل الإیجاد. و هو التعلق، فقد وجب وصفه تعالی بالقدرة، و إذا ثبت وصفه بالقدرة؛ فقد وجب وصفه بالإرادة، إذ حظ القدرة الاختراع والإبداع، و حظ الإرادة التخصیص بالمقادیر والأشکال
والأزمان والأحوال. فقد بطل القول بالتثلیث و وجب وصفه تعال بالجلال والکمال. و ذلک یستدعی وصفه سبحانه و تعالی بأنه واحد حی عالم قادر مرید سمیع بصیر متکلم. و هذه الصفات الزائدة علی الثالوث قد نطقت به صحف أهل الکتاب، و هی موجودة فی التوراة والإنجیل والزبور. و لو أردنا انتزاعها من کتبهم و إثباتها فی هذا المختصر؛ لما أعوزنا ذلک. و لکنا نؤثر الاختصار.
فقد ثبت بهذه الوجوه الخمسة عشر: بطلان الأمانة وانتقاضها و انتثار نظمها. و إذا بطلت شریعة الدین؛ بطل الدین المبنی علیها، و وجب الرجوع إلی أقوال الأنبیاء فی توحید الله سبحانه و إفراده بالربوبیة -سبحانه لا إله غیره و لا رب سواه-.