فی الصفحات التالیة نحدثکم عن الإعجاز النباتی فی الآیة (22) من سورة الحجر فی القرآن الکریم، حیث نوضح جانبا من جوانب الإعجاز العلمی فی قوله تعالی: (و أرسلنا الریاح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقینا کموه و ما أنتم له بخازنین([1].
قال المفسرون فی معانی الکلمات: لواقح:
1 – حوامل السحاب أو الماء تمجه فیه.
2 – ملقحات للسحاب أو الأشجار.
قال بعض المفسرین فی تفسیر هذه الآیة:
و أرسلنا الریاح تلقح السحاب فیدر الماء
أو تلقح الشجرة فینفتح عن أوراقه و أکماله، فالریاح کالفحل للسحاب أو الشجر
و نقول فی هذه الآیة و بالله التوفیق:
نحن المسلمین لاندهش عندما یعلمنا القرآن الکریم بما لانعلمه إلا بعد دراسة علمیة و عملیة طویلة منظمة، لأننا نؤمن إیمانا قاطعا أن القرآن الکریم کلام الله غیر مخلوق و أن الله سبحانه و تعالی علیم، خبیر بصیر و أن القرآن الکریم لایخلق
عن کثرة الرد، و لا تنقضی عجائبه و لاتشبع منه العلماء و أن حقائقه التفسیریة لاتتصادم مع الحقائق الکونیة و أن القرآن أتی بکراً و أن التفسیر العلمی ضرورة عصریة من یقف ضدها فإنما یرید مخاطبة الجیل الحالی و الأجیال القادمة بلغة لا تفهمها فیبعدها عن فهم قرآنهم.
هذه الآیة لها تفسیرات علمیة معجزة، و جوانب إعجازیة متعددة فقد أثبت علماء الفلک و الکون و الأرصاد و المیاه أن الریاح تلقح السحاب مما یترتب علیه نزول المطر بعد تراکم السحاب و هذا التفسیر منسجم مع بقیة الآیة فبعد أن قال ربنا سبحانه و تعالی: (و أرسلنا الریاح لواقح) قال سبحانه: (فأنزلنا من السماء ماء) و هذا الجانب الإعجازی لایقع فی مجال تخصصنا العلمی فتترکه لأهل الذکر فی هذا الأمر، و هذا ما یجب علی کل مسلم أن یسلکه یعطی العلم لأهله و لایتکلم إلا فیما یفهم و لایعلم إلا ما یتقن. عندما قال المفسرون استرشاد بالمعنی اللغوی للآیة و بدلالات الکلمات: أن الریاح کالفحل للشجر و الفحل هو الذی یلقح البهیمة فهمنا أنهم یعنون التلقیح الهوائی للنبات بالمفهوم العلمی و بلغة العصر الحدیث.
و نحن المتخصصین فی علم النبات نعلم علم الیقین أن فی المملکة النباتیة تلقیحاً هوائیاً بین بعض النباتات المذکرة (التی تمثل الفحل) و بعض النباتات المؤنثة من نفس الجنس النباتی هذه الحقیقة العلمیة لم تعلم إلا بعد تمام نزول القرآن الکریم بمئات السنین.
و بالنظر فی الأزهار هوائیة التلقیح نجد العجب العجاب فالمعلوم لمعظم الناس أن الأزهار فی المملکة النباتیة لها ألوان زاهیة زکیة تجذب إلیها الحشرات لتنقل حبوب اللقاح بین الأزهار المذکرة و المؤنثة فتلقحها.
و لکن فی أزهار التلقیح الهوائی نجد آیات الإعجاز فی الخلق، فما دامت هذه النباتات لاتحتاج إلی الحشرات فی إتمام عملیة التلقیح فما الداعی للألوان الزاهیة الجذابة و الروائح الشذیة الفواحة. و بما إن کل شیء فی هذا الکون مخلوق بقدر، و لیس للصدفة و العشوائیة و الطفرة العمیاء من الداروینین و المادیین و من یشایعونهم من الطبیعین العلمانیین حیث قال تعالی: (و إن من شیء إلا عندنا خزائنه و ما ننزله إلا بقدر معلوم([2].
و انظر إلی کلمة کل شیء و کلمة خلقناه و کلمة بقدر لتعلم ما نرید و ما نقصد:
و فعلا أزهار التلقیح الهوائی لیس لها أوراق زهریة ملونة و لکنها أزهار ذات غلاف زهری غیر زاهی اللون و غیر ممیز إلی أوراق ملونة (بتلات) و غیر ملونة (سبلات) کما هو الحال فی أزهار التلقیح الحشری، و لیس بها غدد رحیقیة تفرز الرحیق الحلو الشذی لجذب الحشرات.
فی أزهار التلقیح الهوائی نجد الإحکام فی الخلق و التقدیر الإلهی فی الترکیب فهذه الأزهار مهیأة تماما للتلقیح الهوائی فعضو التذکیر فیها (المتک) متصل بخیط طویل یرفع المتک و ما فیه من حبوب لقاح إلی أعلی حیث تنتشر حبوب اللقاح فی الهواء بسهولة و یسر، و هذا العضو الذکری (المتک) متمفصل مع الخیط بطریقة معجزة تجعله متلاعبا تحرکه بشدة فی اتجاهات عدة أیة نسمة هواء.
هذه الأعضاء غیر الذکریة تنتج أعدادا من حبوب اللقاح یصعب حصرها و هی من النوع الخفیف غیر اللزج حتی تنتشر فی أکبر مساحة ممکنة فلو کانت أعدادها قلیلة لأصبحت معدلات التلقیح و احتمالات حدوثها منخفضة بدرجة تهدد النبات بالهلاک و إذا کانت ثقیلة الوزن لزجة الملمس فإنها لاتنتشر أیضا بالمعدلات اللازمة.
من خلق هذا؟ أإله مع الله؟
هل الطبیعة الصماء، و الصدفة العمیاء العشوائیة العابثة و الطفرات النادرة الحدوث هی التی فعلت ذلک؟
هل هذه النباتات تعی و تفکر و تحسب کما یدعی المادیون الدارونیون العلمانیون؟.
أم أن لها خالق، علیم خبیر، مبدع.
الأزهار هوائیة التلقیح لها أعضاء استقبال هوائیة لحبوب اللقاح معجزة فی ترکیبها فهی ریشیة الشکل طویلة بارزة فی الهواء کأنها مصاید لأی حبة لقاح فی الهواء الجوی، فهی تشبه جهاز الاستقبال الهوائی التلفزیونی المرفوع عالیا و المتعدد الریش و الأجزاء لضمان الاستقبال التام
الأزهار هوائیة التلقیح لها أوضاع علی النبات معجزة فبدراسة الدینامیکیة الهوائیة للتلقیح بواسطة الریاح نری أن هناک عدد کبیر من النباتات قد وصلت إلی درجة الکمال فی الخلق من أجل اصطیاد حبات اللقاح من الریاح حیث
تسمح المخاریط و العناقید الزهریة و ما یحیط بها من أوراق و أغصان بجریان الهواء و حبات الطلع المولد للنطف نحو السطوح التکاثریة حتی یتم التکاثر الهوائی.
من خلق هذا؟ أإله مع الله؟
فی بعض الغابات یشاهد فی أیام التلقیح حبوب اللقاح منتشرة فی جو الغابات بدرجة تجعل الرؤیة متعذرة فی هذه الغابات.
هل کان رسول الله صلی الله علیه و سلم عالما بعلوم الحیاة من خلیة و وراثة و شکل ظاهری و تشریح و تلقیح و إخصاب حتی ینطلق عن هذا العلم الذی حواه القرآن الکریم، و حتی یقول فی إقرار و ثبات علمی (و أرسلنا الریاح لواقح(..
هل کان أحد فی الجزیرة العربیة بعد عصر النبوة بمئات السنین یعلم هذه الحقیقة العلمیة أم أنه القرآن المعجز الذی لا تنقضی عجائبه و لایخلق عن کثرة الرد و لا تشبع منه العلماء.