إن من آیات الإعجاز العلمی المتعلقة بالماء قول الله جل جلاله: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمراتٍ مختلفاً ألوانها و من الجبال جدد بیض وحمر مختلف ألوانها و غرابیب سود، و من الناس و الدواب و الأنعام مختلف ألوانه کذلک إنما یخشی الله من عباده العلماء إن الله عزیز غفور) (فاطر: 28، 27
ورد اختلاف الألوان فی ثلاث فقرات فی هذه الآیة، إن بحثا علمیا مطولا ملخصه أن ألوان الصخور هی نتاج ألوان المعادن المکونة لها، و أن ألوان المعادن نتاج ترکیبها العنصری، و بیئتها، و تفاعلها مع الماء، فالماء هو العامل الحاسم فی تلوین صخور الجبال، لذلک قال تعالی: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء قد یعجب الإنسان من علاقة إنزال الماء من السماء باختلاف ألوان الجبال، ففی بحث مطول و معقد جدا عن الماء، هذا العنصر الحیوی، و الذی یعد من أعلی العناصر المذیبة و الفعالة، تبین أنه هو العامل الحاسم فی تلوین الجبال، التی تأخذ ألوانها من ألوان معادنها التی تشترک بی بنیتها، و المعادن تتلون بقدر أکسدتها، حیث إن الماء له علاقة بهذه الأکسدة، لذلک تجد أن أحد عوامل تلوینها، و اختلاف ألوانها، من جبال کالغرابیب السود، و جبال جدد بیض، و حمر مختلف ألوانها یعود إلی الماء.. فکلما تقدم العلم کشف عن جانب من إعجاز القرآن الکریم العلمی، من أجل أن نعلم علم الیقین أن الذی أنزل هذا القرآن هو الذی خلق الأکوان، و أن هذا التوافق بین معطیات العلم، و بین معطیات
الوحی هو منطقی إلی درجة قطعیة، لأن الوحی کلام الله، الفطرة السلیمة غیر المشوهة، و خطوط الواقع الموضوعی غیر المزور، فلا بد أن نعلم علم الیقین أن الذی خلق الأکوان هو الذی أنزل هذا القرآن قال تعالی: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات.
هنا عطف. قال تعالی: و من الجبال جدد بیض و حمر مختلف ألوانها و غرابیب سود
و «إنما» تفید القصر و الحصر، أی: ما لم تطلب العلم فلا سبیل إلی أن تخشی الله، فإن أردت أن تخشی الله الخشیة الحقیقیة فلا بد من طلب العلم، لأن الله عزوجل یقول: (إنما یخشی الله من عباده العلماء(: أی العلماء وحدهم یخشون الله، و لا أحد سواهم.. قال ابن کثیر فی تفسیر هذه الآیة: (یقول تعالی منبها علی کمال قدرته فی خلق الأشیاء المتنوعة المختلفة من الشیء الواحد، و هو الماء الذی ینزله من السماء، یخرج به ثمرات مختلفا ألوانها، و طعومها، و روائحها، کما قال تعالی فی الآیة الأخری: (و فی الأرض قطع متجأورات و جنات من أعنابٍ و زرع و نخیل صنوان و غیر صنوانٍ یسقی بماءٍ واحدٍ و نفضل بعضها علی بعضٍ فی الأکل إن فی ذلک لآیاتٍ لقومٍ یعقلون) (الرعد:4(.
و قوله تبارک و تعالی: (و من الجبال جدد بیض و حمر مختلف ألوانها وغرابیب سود) أی و خلق الجبال کذلک مختلفة الألوان کما هو المشاهد أیضا، من بیض وحمر، و فی بعضها طرائق و هی الجدد، جمع جدة مختلفة الألوان أیضا، قال ابن عباس رضی الله عنهما: الجدد: الطرائق.. و الغرابیب: الجبال الطوال السود
.. و العرب إذا و صفوا الأسود قالوا: أسود غربیب.. و قوله تعالی: و من الناس و الدواب و الأنعام مختلف ألوانه أی کذلک الحیوانات من الناس و الدواب، و هو کل ما دب علی القوائم، و الأنعام من باب عطف…. و کذلک الدواب و الأنعام مختلفة الألوان، حتی فی الجنس الواحد، بل النوع الواحد منهن مختلف الألوان، بل الحیوان الواحد یکون فیه من هذا اللون، و هذا اللون فتبارک الله أحسن الخالقین… و لهذا قال تعالی بعد هذا: (إنما یخشی الله من عباده العلماء) أی: إنما یخشاه حق خشیته العلماء العارفون به، لأنه کلما کانت المعرفة للعظیم القدیر العلیم الموصوف بصفات الکمال، المنعوت بالأسماء الحسنی، کلما کانت المعرفة به أتم والعلم أکمل کانت الخشیة له أعظم و أکثر.