یتساءل موریس بوکای عن القیمة الصحیحة للنصوص التی فی حوزة بلاده الیوم، و یری أن هذا یعنی بالضرورة دراسة الظروف التی سادت تحریر تلک النصوص، و انتقالها إلیهم، و یقول:
»إن معالجة الکتب المقدسة من خلال علم الدراسة النقدیه للنصوص شیء قریب العهد فی بلادنا، فقد ظل الناس یقبلون العهدین القدیم، و الجدید، علی ما هما علیه طیلة قرون عدیدة، و لم تکن قراء الکتب المقدسة تؤدی إلا إلی اعتبارات مدحیة.
و کان مجرد التعبیر عن أی روح نقدیة إزاء الکتاب المقدس خطیئة لا تغتفر، و کان القساوسة هم الصفوة التی تستطیع بغیر عنا المعرفة عن الکتاب المقدس، أما عامة العلمانیین فلم تکن تتلقی إلا نصوصا مختارة خلال الطقوس الدینیة أو عبر المواعظ.
و بعد أن أصبح نقد النصوص علما فقد کان له الفضل فی أن جعلة نکتشف مشاکل مطروحة و خطیرة فی أحیان کثیرة غیرأنه لابد من أن نصاب بخیبة أمل عندما نقرأ کتبا کثیرة تدعی أنها نقدیة و لکنها
لا تقدم فی مواجهة الکثیر من مشکلات التأویل الحقیقیة إلا تفسیرات مدیحیة تهدف إلی سترجرح المؤلف و حیرته.
و إننا لنأسف حقا لذلک الموقف الذی یهدف إلی تبریر الاحتفاظ فی نصوص التوراة و الإنجیل ببعض المقاطع الباطلة خلافا لکل منطق.
إن دلک موقف یسیء کثیراً إلی الإیمان بالله لدی بعض العقول المثقفة ومع ذلک فقد أثبتت التجربة أنه إذا کان بعضهم قادراً علی فضح بعض مواطن الضعف من هذا النوع فإن الغالبیة من المسیحیین لم تدرک حتی الآن وجود هذا الضعف، و ظلت فی جهالة تامة من أمر ذلک التناقض مع المعارف الدنیویة المشهورة التی تعتبر غالبا من المعارف الأساسیة (1).
و لقد کانت مقابلة نصوص الکتب المقدسة بحقائق العلوم موضوع تفکیر الإنسان فی کل العصور، ففی البدء قیل إن إتفاق العلم و الکنب المقدسة أمر لازم لصحة النص المقدس، و إن القدیس
أوغسطین قد حدد هذا المبدأ بشکل حاسم، و لکن التطور العلمی کشف للمفکرین عن وجود نقاط إختلاف بین الاثنین، و بهذه الطریقة، خلق ذلک الوضع الخطیر الذی جعل الیوم مفسری التوراة و الإناجیل یناصبون العلماء العداء، إذ لا یمکن فی الحقیقة أن نقبل بأن رسالة الهیة منزلة تنص علی واقع غیر صحیح بالمرة.
و بناء علی ذلک فلیس هناک سوی إمکانیة واحدة للتوفیق المعقول بین الأمرین، و هی: عدم قبول صحة المقطع الذی یقول فی التوراة بأمر غیر مقبول علمیا.
و لم یکن هذا الحل طواعیة، بل بالعکس فقد تعصب بعضهم بشدة للاحتفاظ بتمام النص، و قد کان نتیجة هذا أن اضطر المفسرون إزاء صحة الکتب المقدسة إلی إتخاذ موقف لا یمکن قبولها من قبل رجل العلم(2).
و بنفس الموضوعیة قمت بنفس الفحص علی العهد القدیم، و الأناجیل:
– أما بالنسبة للعهد القدیم فلم تکن هناک حاجة الذهاب إلی أبعد من الکتاب الأول: أی: سفر التکوین، فقد وجدت مقولات لا یمکن التوفیق بینها و بین أکثر معطیات العلم رسوخا فی عصرنا.
– و أما بالنسبة للأناجیل فما تکاد تفتح الصفحة الأولی منها حتی نجد أنفسنا دفعة واحدة فی مواجهة مشکلة خطیرة، و نعنی بها: شجرة أنساب المسیح و ذلک أن نص إنجیل متی یناقص بشکل جلی إنجیل لوقا و أن هذا الأخیر یقدم لنا صراحة أمراً لا یتفق مع المعارف الحدیثة و خاصة بقدم الإنسان علی الأرض (3).
ثم یقدم مسیو بوکای عرضاً نقدیا تحلیلیاً للأناجیل من حیث اضطراب نصوصها، و فساد عدة موضوعات علمیة لا یقبلها العقل علی ماهی علیه، و لا بعد أن تؤل لشدة مجافاتها للواقع… بعد هذا یعرض مسیو بوکای عدة قضایا منها:
1) دوائر المعارف البریطانیة، و الفرنسیة عرضت نماذج لفاد الأناجیل و رکزوا علی عدم صحتها، و لاشک أن هذه الدواثر یصلع علیها شباب أوربا، و لاشک أن هذا الشباب یدعی طلب العلم، و لاشک أن المسیحیة دین شرقی، و مع هذا فلم نجد من هذا الشباب تفتح ذهنی لمناقشة ما جاء فی دوائر المعارف الأوربیة، و علة ذلک إنما هو التعصب القومی، و النزعم الفکری الردیء.
2) تحب أن تؤکد من جدیدة أن قضیة التزاع بین الدین و العلم قضیة أوروبیة المو مسیحیة الدیانة. راجع کتابنا «الهة فی الاسواق» ص 42 / 43.
3) دراسة الکتب المقدسة فی ضوء المعارف الحدیثة ص 8 / 13.