لایخفی أن دوافع التحریف کثیرة، تختلف باختلاف الغایة التی یبتغیها المحرف من وراء فعله، إلا أننا یمکن أن نختصر عناصر التحریف إلی قسمین:
الأول: ان ینتج التحریف عن عدم معرفة المحرف، بخصوصیات الموضوع الذی یعمل فیه، أو ضعف ثقافته و قلة بضاعته، و هو ما یحصل کثیرا عند نساخ الکتب، ممن یهتمون بصناعة الخط و جماله، و لا شغل لهم بالمضمون الذی یستنسخونه، و هذا النوع یمکن فرض حسن النیة فیه من حیث المبدأ.
الثانی: أن یقع التصرف من قبل العارفین بالموضوع، و المطلعین علی خصوصیاته، و هذا القسم لا یحتمل بحقه حسن النیة، لعدم جهله
بالموضوع بحسب الفرض، و لهذا فقد تتنوع الأهداف و الغایات التی یبتغیها المتلاعب أو المتلاعبون.
و من الواضح أنه لا یمکن وضع التحریف فی الأسفار المقدسة، فی خانة القسم الأول، لاعتبارات و أدلة کثیرة، أهمها أن العهد القدیم نفسه قد وضع شروطا خاصة و قاسیة، للقائمین علی تعلیمه و صیانته، فجعل هذه الأمانة خاصة بید سبط خاص منهم، و هم الأحبار دون سواهم، کما أن فرض کونه کتابا مقدسا یعنی أنه لیس فی معرض الجمیع. هذا فضلا عن سیاسة التشدد، التی طبقها الأحبار، بحیث لا یجرؤ أحد من الأسباط علی مخالفتهم والاعتراض علیهم، حتی أنزلوهم منزلة الأرباب، کما أخبر بذلک القران الکریم (اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله(.(1).
1) سورة التوبة، آیة: 31.