»فی العصر الحدیث و أمام هذه المعطیات أدرک البعض أن کل مبشر قد أنشأ روایة علی طریقته الخاصة و حسب وجهات نظره الشخصیة مع الاعتماد علی المعلومات التی وجدها عند الآخرین. عندئذ علق الباحثون أهمیة کبیرة علی جمع مواد الروایة فی التراث الشفهی للطوائف الأصلیة من ناحیة، و فی مصدر آرامی مکتوب مشترک لم یعثر علیه من ناحیة أخری، و قد کان یمکن لهذا المصدر المکتوب أن یشکل کتلة صماء أو أن یتکون من مقتطفات کثیرة لروایات شتی ربما تکون قد خدمت کل مبشر فی تشیید نصه الأصلی..
و منذ قرن تقریبا، قادت أبحاث أکثر تعمقا إلی نظریات أکثر دقة ازدادت تعقدا بمرور الزمن. و أول هذه النظریات الحدیثة هی النظریة المسماة ب «مصدری هولتزمان» (1863 م) و حسب هذه النظریة. کما یحدد: کولمان و الترجمة المسکونیة، فإن متی ولوقا قد استلهما مرقس من ناحیة، و وثیقة مشترکة مفقودة الیوم من ناحیة أخری. یضاف إلی هذا أن کلا من المبشرین الأولین کان یملک تحت حوزته مصدرا خاصا، و نتیجة هذه النظریة:
»أن الأناجیل کما هی فی حوزتنا الیوم. قد أعطت صدی لما کانت الطوائف المسیحیة البدائیة تعرف عن حیاة و رسالة المسیح، و لمعتداتهم و مفاهیمهم اللاهوتیة التی تحدث المبشرون باسمها«.
»أما أحدث أبحاث نقد النصوص الخاصة بمصادر الأناجیل فقد أوضحت وجود عملیة أکثر تعقیدا من تشکل النصوص إذ تنوه طبعة الأناجیل الأبعة. المتوافقة و هی
للأبین. بینوا، وبومر. الأستاذین بمعهد الکتاب المقدس بالقدس (1972- 1973 م) تنوه بشکل خاص إلی تطور النصوص علی مراحل متعددة بالتوازی مع تطور طویل للتراث، و یجر هذا إلی نتائج یعرضها الأب بینوا بهذه الألفاظ فی تقدیمه للجزء الذی قام به الأب بومار من الکتاب المشار إلیه یقول: إن أشکال الأقوال أو الروایات الناتجة عن تطور طویل للتراث لاتتمتع بنفس صحة الأقوال أو الروایات الموجودة أصلا. و قد یدهش بعض قراء هذا الکتاب أو قد یشعر بالجرح عندما یعلم أن هذا القول للمسیح أو هذا المثل أو ذاک التصریح بمصیره لم تقل مثلما تقرأ الیوم، و أن هؤلاء الذین نقلوا هذا إلینا قد أجروا علیها لمسات و تعدیلات.(1).
و خلاصة ذلک: أن الصیغ النهائیة للأناجیل مأخوذة من صیغ وسیطة مع التعدیل و أن تلک الصیغ الوسیطة فقدت مع الوثائق التی أعتمد علیها مؤلفو الوسیطة. و لیست الوثائق الأصلیة مسیحیة خالصة بل یعزی بعضها للیهودیة، و بعضها للوثنیة.
إلی أن یقول بومار: و نتیجة کل هذا أننا لم نعد متأکدین مطلقا من أننا نتلقی کلمة المسیح بقراءة الإنجیل و الأب بینوا یتوجه لقاریء الإنجیل و یحذره من هذا، و یقدم تعویضا قائلا:
إذا کان علیه أن یتخلی فی أکثر من حالة عن سماعه صوت المسیح المباشر فإنه یسمع صوت الکنیسة و یرکن إلیها رکونه لمفسر خول إلیه أن یفسر السید الذی یحدثنا الیوم فی مجده بعد أن تحدث علی أرضنا«أ. ه.
ثم یقول بوکای معلقا:
کیفی یمکن التوفیق بین هذه الملاحظة الصریحة عن عدم صحة بعض النصوص و بین عبارة الدستور العقائدی عن التنزیل الإلهی التی صوت علیها مجمع الفاتیکان الثانی (1965 م) و هذا یؤکد لنا علی العکس. بأمانة نقل أقوال المسیح.
تقول هذه العبارة «هذه الأناجیل الأربعة التی تؤکد «الکنیسة» تاریخیتها دون تردد تنقل بشکل أمین فعلا أقوال و أفعال المسیح ابن الله طیلة حیاته بین البشر لخلاصهم الأبدی و إلی أن رفع إلی السماء«.
و یظهر بوضوح تام أن عمل مدرسة الکتاب المقدس یأتی إلی دعاوی المجمع بتکذیب صارم (2).
و الرأی الذی لامراء فیه أن إنجیل یوحنا یشکل حالة منفصلة لأنه بالنسبة للأناجیل الثلاثة السابقظ «عالم أخر» لأنه إنجیل الفلسفة الیونانیة و العقائد الوثنیة. و إذا صح ما ذهب إلیه علماء الکتاب المقدس من أن الأناجیل کتبت محاکاة لعقائد الطوائف التی کان یملثها المبشرون. و لانری ذلک إلا صحیحا. فإننا نحب أن نلقی نظرة فاحصة علی أفسس، التی کتب الإنجیل إجابة لطلب أهلها.
1) المرجع السابق ص 97.
2) المرجع السابق ص 96.