لاشک إذن فی أن منطق التثلیث البشری بعید عن منطق الله، و أن عقیدة الروح القدس اللاهوتیة عقبة أمام العقل و عثرة، و أنها بذلک تتناقض مع ما کان مفهوما لدی العصور الأولی عن الروح القدس- و هو أنه الوحی أو ملاک الله الموکل به-.
و أنه بهذا المعنی أو ذاک متناقض مع الوصف الواضح الصریح عن شخصیة المعزی أو المعین، أو المنهض، أوالمدافع، (أو المشیر کما ذهب إلی ذلک أبلتون((1) فهذا المعزی یفید أنه آخر لایتکلم من نفسه بل یبلغ ما یؤمر به…… إلخ صفاته.
و نحن ننتقل بهما لنواجه النص فی مکان آخر لنری رأینا فی موضوع المعزی کما یبدو من خلال نص یوحنا: فنجده یتحدث عن المعمدان قائلا:-
»و هذه شهادة یوحنا حین أرسل الیهود من أورشلیم کهنة ولاویین لیسألوه من أنت؟؟ فاعترف و لم ینکر و أقر أنی لست أنا المسیح، فسألوه إذا ماذا إیلیا أنت؟؟ فقال لست أنا، النبی أنت، فأجاب لا……» (2).
و بحسب هذا النص فإن علماء الیهود من الکهنة و اللاویین الذین أرسلوا إی المعمدان کانت لدیهم فکرة مسبقة عن أشخاص ثلاثة کانوا ینتظرون ظهورهم، و هم المسیح و إیلیا و النبی.
و بحسب هذا النص أیضا نفی المعمدان عن نفسه أن یکون أحدهم وقد جاء المسیح فیبقی اثنان. لس یوحنا أحدهما لأنه لیس إیلیا، و لا النبی. و قد سبق لنا عند الحدیث عن المعمدان: أننا رجحنا ما ذهب إلیه غیر مؤلف الإنجیل الرابع من أن یوحنا المعمدان هو المقصود بإیلیا، لما بینهما من تشابه و لما نص علیه غیر مولف الإنجیل الرابع من أنه کان یتقدم بروحه.
و تبقی نبوءة ظهور النبیء الآخر شاغرة لاتصدق علی المسیح لأنه و إن کان نبیا فإنها لاتصدق علیه لأنه منصوص علیه باسمه، و لو کان هو المقصود بهما لما کان هناک ما یدعو للتمییز بینهما لکنهم فی منطق علماء الیهود ثلاثة، و لما کان المسیح مقصودا باسم فلیس هو إیلیا و لیس هو النبی. و هی أیضا لاتصدق علی المعمدان لما أسلفنا من أنه المقصود بإیلیا.
و هذا النص بعتیر دلیلا علی أن الیهود بحسب ما لدیهم من الکتب کانوا ینتظرون ثلاثة، وأن هذا کان مشهورا لدیهم و معروفا، و قد جاء اثنان و بقی الثالث، و هی النبی المنتظر فی ذلک الوقت. فهل هو المعزی؟؟
و لابد من السؤال عن المعزی هل هو الروح القدس؟؟ أم هو المعزی باستبعاد لفظ «الروح القدس» و أنه آخر کما یظهر من صفاته….؟؟
إن کان المعزی هو الروح القدس فهو إله أو ملاک لانبیا.. و علی القائل بأن المعزی هو الروح القدس أن یوضح لنا من المقصود إذن بالنبی المنتظر الذی کان الیهود یسألون المعمدان عنه؟؟
و إن لم یکن المعزی هو الروح القدس فهل هو النبی المنتظر إذن؟؟ أنهما متغایران بدون شک.
1) جورج أبلتون: شهادة إنجیل یوحنا. ص 104 سلسلة الکتاب المسیحی ترجمة / إبراهیم مطر.
2) [1: 19- 21].