قال تعالی: (والطور (1) و کتاب مسطور (2) فی رق منشور)3) و البیت المعمور)4) و السقف المرفوع (5) و البحر المسجور (6» [سورة الطور]
سجر التنور) فی اللغة: أی أوقد علیه حتی أحماه، و العقل العربی وقت تنزل القرآن و لقرون متطأولة من بعد ذلک لم یستطع أن یستوعب هذه الحقیقة، کیف یکون البحر مسجورا و الماء و الحرارة من الأضداد.
حتی أکتشف حدیثا أن الأرض التی نحیا علیها لها غلاف صخری خارجی هذا الغلاف ممزق بشبکة هائلة هائلة من الصدوق تمتد لمئات من الکیلومترات طولا وعرضا بعمق یترأوح ما بین 65 و 150 کیلومتر طولا و عرضا و من الغریب أن هذه الصدوع مرتبطة ببعضها البعض ارتباطا یجعلها کأنها صدع واحد و یقسم الله سبحانه و تعالی فی آیة أخری (والأرض ذات الصدع)
و فی هذه الآیة إعجاز واضح فالله یقسم بصدع واحد الذی هو عبارة عن اتصال مجموع الصدوع، یشبهه العلماء باللحام علی کرة التنس، و قد جعلت هذه الصدوع فی قیعان المحیطات و هذه الصدوع یندفع منها الصهارة الصخریة ذات الدرجات العالیة التی تسجر البحر فلا الماء علی کثرته یستطیع أن یطفیء جذوة هذه الحرارة الملتهبة و لا هذه الصهارة علی ارتفاع درجة حرارتها (أکثر من ألف درجة مئویة) قادرة أن تبخر هذا الماء، و هذه الظاهرة من أکثر ظواهر الأرض إبهارا للعلماء.
و قد قام العالمان الروسیان «أناتول سجابفتیش» عالم جیولوجیا، و «یوری بجدانوف «عالم أحیاء و جیولوجیا و بالاشتراک مع العالم الأمریکی المعروف «رونا کلنت» بالغوص قرب أحد أهم الصدوع فی العالم، فقد غاصوا جمیعا و هم علی متن الغواصة الحدیثة میرا و وصلوا إلی نقطة الهدف علی بعد 1750 کم من شاطئ میامی و غاصوا علی بعد میلین من السطح حیث وصلوا إلی الحمم المائیة التی لم یکن یفصلهم عنها سوی کوة من الأکرلیک و کانت الحرارة 231 م و ذلک فی واد علی حافة جرف صخری و کانت تتفجر من تحتهم الینابیع الملتهبة حیث توجد الشروخ الأرضیة فی قاع المحیط و قد لاحظوا أن المیاه العلویة السطحیة الباردة تندفع نحو الأسفل…بعمق میل واحد فتقترب من الحمم البرکانیة الملتهبة و المنصهرة فتسخن ثم تندفع محملة بالقاذوراة و المعادن الملتهبة، و لقد تأکد العلماء أن هذه الظاهرة فی کل البحار و المحیطات تکثر فی مکان و تقل فی مکان آخر (1(.
و إن البراکین فی قیعان المحیطات أکثر عددا، و أعنف نشاطا من البراکین علی سطح الیابسة، و هی تمد علی طول قیعان المحیطات… و المبهر فی هذه الصیاغة المعجزة (و البحر المسجور) أنه نظرا لعدم وجود الأوکسجین فی قاع البحر لا یمکن للحمم البرکانیة المندفعة عبر صدوع قاع المحیط أن تکون مشبعة علی طول خط الصدع، ولکنها عادة ما تکون داکنة السواد، شدیدة الحرارة، و دون اشتعال مباشر، تشبه صاجة قاع الفرن البلدی إذا أحمی أسفل منها بأی وقود فإنها تسخن سخونة عالیة تمکن من خبز العجین علیها، و هذا القصد اللغوی تماما للفظ المسجور و لا یوجد کلمة ممکن أن تحل محلها و تدل علی المعنی بدقة فتأمل عظمة هذا الإبداع الربانی.