لقد شاءت إرادة الله أن تختلف الأناجیل اختلافا لایمکن التوفیق معه بین نصوصها توفیقا یمکن للعقل قبوله، فإن النصوص تختلف اختلافا کبیرا. و قد کنا نود أن نقدم فی هذا المکان بحثا عن اختلاف الأناجیل الأربعة، إلا أننا وجدنا أن الموضوع لکی یوفی حقه کاملا یخرجنا عن مقصودنا هنا، و هو بحث عقیدة الصلب من جهة الأصالة أو التبعیة أو التأثر بغیرها من عقائد سابقة للصلب فی دیانات قدیمة من قبل وجود المسیحیة.
و لکنا هنا نحب أن نعطی فکرة مبسطة و نحن نؤکد هنا: أن نصوص الأناجیل الأربعة المعتمدة لم تتفق فی موضوع صلب المسیح إلا علی أمور أربعة أساسیة فی هیکل القصة و مقدماتها:
الأول: القول بأن الیهود کانوا یضمرون التخلص من المسیح و یکیدون له و یتحینون الفرص.
الثانی: أن المسیح حینما أحس کان یفر من بینهم، و یختفی فی أماکن بعیدة عنهم، و یترقب.
الثالث: أنه تضرع و صلی الله کثیرا لینقذه من شرهم و ذلک قبیل القبض علیه.
الرابع: أن الذین جاءوا للقبض علیه لم یکونوا یعرفونه. ما عدا یهوذا.
و فیما عدا هذه الأمور الأربعة اختلف کتاب الأناجیل. و سوف نرجیء موضوع هذه الإختلافات إلی موضع قادم بالبحث إن شاء الله فی المقابلة بین إنجیل یوحنا و الإناجیل الثلاثة..
و نحب هنا أن نتساءل: أین غاب الوحی الإلهی أو الإلهام عن کتاب الأناجیل؟؟ و هو الذی یدعیه لهم أتباعهم. مع أنه لاحاجة إلیه فی تقریر مسألة وقعت ورآها الناس کما یدعون!! بل فی حیاة رائدهم و إلههم و المفروض أنهم شهود العیان، الکتاب الموثوقون للحادث الجلل الذی وقع لأعز الناس علیهم، و لیس ذلک فی حاجة إلی إلهام.
فقد کان المنتظر أن تنسجم نصوصهم فی وصف هذه الحادثة حتی و لو أعطت صورة مکررة لنسخة واحدة من الروایات الأربعة. و من شاء فلیؤمن و من شاء فلیکفر.
و قد کان المنتظر علی الأقل أن لاتتضارب و لاتتناقض إلی مثل هذا الحد حتی لاتکون أحداثها محل خلاف داخل بین دائرة الذین یعتقدون بقدسیة هذه الکتب. أو علی الأقل أن یصحح آخرها زمنا. نصوص ما سبقه منها. حتی تخف حدة الاختلافات و لاتظهر بینها تلک الفوارق المنفرة. و التی جعلت من أحداث هذه الواقعة قضیة لها مدافعون و لها معارضون، و أصبح المعتقدون بها یقدمونها هکذا: قضیة الصلب بین الدفاع و المعارضة(1) ولو أن مؤلفی الأناجیل الأربعة أخذوا من واقع حیاة المسیح حقا ما ختلفوا. و إن الذی یحاول أن یجمع بین نصوص حادثة الصلب فی الأناجیل الأربعة و یقابلها بمجرد النظر أو التدبر. لیهولنه ما یری من الخبط و التناقض، و لیؤدین به ذلک إلی نبذ هذه الکتب و معتقداتها، فلو کانت من عند الله و رسله لسلمت مما هی علیه من ذلک التناقض. ولعل ذلک هو السر فی أن الکنیسة کانت تحرم علی أتباعها قراءة هذه الکتب و تجعل حق تفسیرها حکرا علی رجالها حتی نهایة القرن الخامس عشر المیلادی. و هو من الأسباب التی أدت إلی قیام لوثر بالثورة.
1) قضیة الصلب بین الدفاع و المعارضة: عنوان کتاب الأستاذ عوض سمعان. صادر عن دار التألیف و النشر للکنیسة الأسقفیة بالقاهرة فی حوالی مائتی صحیفة من الحجم المتوسط.