و هکذا حاول کثیرون منذ بدایة العصر الرسولی، تقدیم اقتراحاتهم عن مدلول المئة و الثلاثة و الخمسین:
1- یقول البابا «کیرلس الإسکندری» إن عدد 153 یتکون من مجموعات ثلاث: «المجموعة الأولی عدد (100) مائة و هذا رمز إلی ملء الأمم. فهذا العدد علی حد تعبیره هو رمز الکمال…«.
و العدد الثالث رقم ثلاثة (3) و هو یرمز إلی الثالوث الأقدس الأب و الابن و الروح القدس، المجد فی ملء الأمم، و خلاص البقیة الباقیة فی إسرائیل.
2- و القدیس «أوغسطینوس» رأی آخر، وهو مبنی کذلک علی الافتراض و التخمین. فهو یبدأ بدراسة مدلول بعض الأرقام و یطبقها علی هذا العدد الذی أمامنا، فرقم 10 یشیر إلی الناموس لأنه یحوی الوصایا العشر، و رقم 7 یرمز للنعمة لأن مواهب الروح سبعة، فإذا أضفنا عدد 10 إلی عدد 7 نصل إلی مجموع 17.
و إذا قمنا بجمع الأرقام 1+ 2+ 3+ 4+ 5 إلخ حتی عدد 17 فإن حصیلة المجموع تصل بنا إلی العدد 153 و علی ذلک فالعدد 153 یشیر إلی مجموع من یأتون لیسوع المسیح سواء من الیهود أم من الأمم، تحت الناموس، أو فی تدبیر النعمة.
3- و لکن القدیس «إیرونیموس» له تفسیر أکثر بساطة، فهو یقول: إن میاه البحر تحوی مائة و ثلاثة و خمسین نوعا مختلفا من الأسماک، و علی ذلک فحصیلة الصید کله تضم کل نوع من أنواع السمک، فارقم رقم تنبؤی یشیر إلی أنه لابد و أن یأتی الوقت الذی فیه تصبح کل الممالک للرب و المسیحه……….
إن یوحنا یخبرنا فی هذه الفقرة بطریقته الخاصة الحکیمة أن الکنیسة فیها من الرحابة ما یکفی لأن تضم فی أحضانها کل شعب و أمة و قبیلة و لسان. إنه یخبرنا عن
عمومیة الکنیسة و شمول إرسالیتها«(1).
و یکفی للتعلیق علی هذه الآراء ما جاء علی لسان بارکلی: من قوله عن الرأیین الأول و الثانی أن کلا منهما «مبنی… علی الإفتراض و التخمین» و أما الرأی الأخیر فیکفی أنه ما زال معلقا علی أمل لم یتحقق بعد.
و کل ذلک دلیل علی أن الحقیقة لیست کما جاء بهذا النص المتناقض. قال ولیم بارکلی:-
»إن أقوی ظاهرة ترافق ظهور یسوع لتلامیذه هو الرعب الذی یطفی علیهم، و هذا یؤکده کتبة البشائر الثلاثة الأولی «البشیر متی» یصور لنا یسوع و هو یقول لتلامیذه «لاتخافوا«(2)، فإذا أتینا إلی مرقس(3) نجده یصور لنا المریمتین و قد هربتا من القبر، لأن الرعدة و الحیرة أخذتاهما. و فی بشارة لوقا (4) نشاهدهن خائفات منکسات وجوههن إلی الأرض«.
ولکننا لانجد إشارة إلی مثل هذا الخوف فی قصة البشیر یوحنا.(5)
أرأیت مثل هذا العجب. من رجل واحد جاء متأخرا عن ثلاثة (حسب تاریخ الکنیسة إن صح) یقف مثل هذا الموقف المنفرد، و لایمکن أن یصدق الطرفان. فالتلامیذ وقت ظهور المعلم للرب إما خائفون مرعوبون، و إما هادئون مطمئنون.
1) ولیم بارکلی: شرح بشارة یوحنا. ج 2 ص 559.
2) [متی 28: 10].
3) [16: 8].
4) [24: 5].
5) ولیم بارکلی: شرح بشارة یوحنا. ج 2. ص 537.