وإذا کانت رسالة المعمدان قد تأکدت بنصوص ثلاثة، فإن رسالة المسیح قد تأکدت بالحشد الکثیر الذی نراه هنا، وإذا کان المعمدان قد أبان عن ذلک بلفظ «أرسلنی» مرة واحدة فإن المسیح کما جاء بنفس النص قد أفاض بتوکید هذه الحقیقة فی 28 ثمان وعشرین مرة، بالإضافة إلی مخاطبته لله 6 ست مرات «أرسلتنی» أنت أرسلتنی «و» إنک أنت أرسلتنی «لیؤکد حقیقة مغایرة ذاته کرسول مخلوق لذات الخالق الذی أرسله«.
کما جاء بالنص الحدیث عن المسیح الرسول بلفظ «الذی أرسله» بمعنی الرسول المرسل. فی أربعة مواضع.
(1) «الذی أرسله الله یتکلم بکلام الله» (1) بمعنی الرسول الذی أرسله.
(2) «الآب…… لیست لکم کلمته…. لأن الذی أرسله هو لستم تؤمنون به» (2).
(3) «عمل الله أن تؤمنوا بالذی هو أرسله» (3) بمعنی الرسول.
(4) «الذی قدسه الآب وأرسله إلی العالم أتقولون له إنک تجدف«(4).
کما جاء بالنص التعبیر بلفظ «الذی أرسله» بمعنی الفاعل المرسل وهو الله الآب فی موضعین:
(1) «من لایکرم الإبن لا یکرم الذی أرسله» (5).
(2) «من یتکلم من نفسه یطلب مجد نفسه، وأما من یطلب مجد الذی أرسله فهو صادق» (6).
وقد اجتمع الرسول والمرسل مع العبد والسید فی موضع واحد وهو قوله:
»لیس عبد أعظم من سیده، و لا رسول أعظم من مرسله» (7) وقد وضع النص العبد والرسول فی الدرجة الأدنی، ورفع السید والمرسل فی الدرجة الأعلی، والمرسل الذی أرسل المسیح هو الله الآب أعظم من رسوله، کما أن السید أعظم من العبد. کما صرح بقوله: «أبی أعظم منی«.
کما جاء لفظ «یرسل» مرة واحدة وهی علی لسان المسیح عنه وعن الله الذی أرسله وذلک قوله:
»لم یرسل الله ابنه لیدین به العالم بل لیخلص به العالم» (8).
وهذا واضح فی الدلالة علی المرسل وهو الله. ولم یعبر النص بالآب فقط. وهذا النص یفید أن المرسل هو الله وأن الرسول هو الأبن، وأن کلاهما مغایر للآخر، الأول هو الله الخالق المرسل، والثانی هو الرسول المخلوق المسیح: عیسی ابن مریم.
کما یفید هذا النص بطلان التثلیث فهو أن المرسل هو الله، والله فی زعم
القائلین باتثلیث (هو الآب والابن والروح القدس(؛ فلو کان الله ثلاثة لتحتم أن یکون الله المرسل هو مجموع الثلاثة (الآب والإبن والروح القدس) وهو ما ینفی أن یکون الإبن هو الرسول؛ لأنه فی زعم القائلین به لا ینفصل عن رفیقیه فی الثالوث، ولو کان من الممکن انفضاله لکان مرسله هو الرفیقان الآب والروح ویکون بعض الإله حینئذ أفضل من بعض لأن الرسول أعظم من المرسل. وذلک یقتضی المغایرة مع الانفصال والمفاضلة، فیکون المنفصل الأدنی لیس إلها ولا جزءا من الذات المرکبة. فضلا عن الذات الوحیدة الجوهر.
ویقتضی من ناحیة أخری أن یکون لفظ الإبن مما وصف به المسیح من باب المجاز کما استخدم فی حق غیره من الکثیرین الذین کانوا یطلق علیهم، وأن قولهم بالبنوة الطبیعیة إله من إله لا حقیقة له ولا حظ له من الواقع.
کما یؤید ما یذهب إلیه جمیع العقلاء من أن الله هو الله الواحد الأحد، وهو المسمی فی بعض هذه النصوص باسم الآب، أو الله، أو الله الآب، وأن الابن هو المسیح المخلوق الذی لیس إلها ولا جزءا من الإله. الأول خالق والثانی مخلوق، الأول الإله، والثانی إنسان ابن إنسان جسد من جسد.
کما جاء لفظ (أرسله) مرة واحدة علی لسان المسیح بالنص:
»الذی یقبل من أرسله یقبلنی والذی یقبلنی یقبل الذی أرسلنی» (9).
فقد تحدث عن الذین یرسلهم هو، وأن من یقبل من یرسله المسیح فکأنما قبل المسیح، ومن قبل المسیح فکأنما قبل الله الذی أرسل المسیح.
والمغایرة واضحة بحسب النص. فالله مرسل والمسیح رسوله الذی أرسله، والمسیح فی نفس الوقت مرسل تلامیذه. والتلامیذ رسل أرسلهم المسیح.
وجاء لفظ «أرسلته» مرة واحدة فقط علی لسان المسیح بالنص:
»وهذه هی الحیاة الأبدیة أن یعرفوک أنت الإله الحقیقی وحدک. ویسوع المسییح الذی أرسلته» (10).
ومن الواضح المغایرة بین المسیح المتکلم والله الآب المخاطب الإله الحقیقی وحده. أما المسیح فهو رسوله الذی أرسله.
وقد جاء عن المعزی منسوبا لله مرة واحدة. فیما ورد علی لسان المسیح بالنص:
»وأما المعزی الروح القدس الذی سیرسله الآب باسمی فهو یعلمکم کل شئ» (11).
ومن الواضح مغایرة الرسول- المعزی- للمرسل وهو الآب الذی هو الله، کما سنوضح أن لفظ الله و الآب بمعنی واحد فیما سیأتی- وذلک ما ینقض زعم المثلثین القائلین بالواحدة الثالوثیة، ویؤید ما نذهب إلیه من أن مؤلف نص الإنجیل الرابع لم یکن الثالوث من تصوره ولا من عقیدته. لأنه لو کان عقیدته لما جعل أحد أفراد الثالوث رسولا، والآخر مرسلا. فهذه مغایرة وفضلا عن ذلک حکم بالإنفصال، والمفاضلة. لأن الرسول لیس أعظم من مرسله.
کما نسب إرسال المعزی إلی المسیح وذلک کما جاء بالنص:
»ومتی جاء المعزی الذی سأرسله أنا إلیکم من الآب……….» (12).
والمغایرة أیضا واضحة بین المرسل والرسول، أول المسیح المخلوق والثانی هو المعزی الذی سیرسله من الآب.
وقد جاء مثل هذا فی موضع آخر بالنص:
»إن لم أنطلق لا یأتیکم المعزی ولکن إن ذهبت أرسله إلیکم» (13).
والمغایرة واضحة بین الرسول والمرسل. ولا یخفی تناقض هذا النص وما سبقه مع الثالوث المزعوم والوحدة الثالوثیة التی لا تنفصل أقانیمها ولا تتفاضل، کما لا یخفی تناقض ذلک مع القول بأن الله الکلمة صار جسدا وهو ما سبق توضیحه.
کما خاطبهم المیسح بقوله «أرسلتم» مرة واحدة کما جاء بالنص:
»أنتم أرسلتم إلی یوحنا فشهد للحق» (14). ومن الملاحظ بوضوح المغایرة بین المخاطبین الذی أرسلوا، وبین رسلهم، ومن أرسل إلیه هو المعمدان.
وقد خاطب المسیح تلامیذه کما جاء بالنص قائلا:
»أنا أرسلتکم لتحصدوا ما لم تتعبوا فیه» (15) والمغایرة واضحة بین المسیح المرسل، وتلامیذه الذی أرسلهم.
ویبقی من ألفاظ مادة الرسالة التی جاءت بنص الإنجیل الرابع نصان:
شبه المسیح إرساله تلامیذه بإرسال الله للمسیح. وذلک کما جاء بالنص:
قال فی مخاطبة الله «کلامک هو حق، کما أرسلتنی إلی العالم أرسلتهم أنا إلی العالم» (16). فقد شبه إرسال تلامیذه، بإرسال الله له والمغایرة واضحة بین الرسول والمرسل فی الإرسالین.
وقد خاطب تلامیذه قائلا:
»کما أرسلنی الآب أرسلکم أنا» (17). والمغایرة واضحة بین الرسول والمرسل، والآب الذی ارسله، والتلامیذ الذی أرسلهم المسیح.
وهو فی هذا النص یخاطب التلامیذ الذین أرسلهم، بینما هو فی سابقه یخاطب الآب الذی أرسله.
وها نحن قد طوفنا بالنص کله من أوله إلی آخره لکی نتناول ما جاء بالنص من مادة لفظ الرسالة ومشتقاتها. لنؤکد حقیقة مغایرة ذات الرسول لذات المرسل. وقد ثبت بما لایقبل مجالا للشک:
أن المسیح رسول الله، کما أن المعمدان رسول الله.
وکما أرسل الله رسوله المسیح، أرسل المسیح تلامیذه.
وبعد: فهل یسمح الفضلاء من أهل العلم والکتاب أن یقولوا لنا:
هل یؤجد فی نص هذا الإنجیل إله مثلث الأقانیم؟؟
وهل المسیح رسول الله بالمعنی الذی یقال فی عرف الأدیان السماویة کلها إن الرسول غیر المرسل؟ وأن الإرسال بمعنی واحد فی قولنا المسیح رسول الله، والمعمدان رسول الله؟ أو أن الإرسال والرسالة بالنسبة للمسیح مغایر لأنه کما لا یفهم: «إرسالیة باطنیة فی داخل الواحد الثالوثیة«؟!
ومن فضله القول أن نقول: هذا نص الإنجیل الرابع فأرونا ما علمتم مما بطن من الإرسالیة الداخلیة فی داخل الوحدة الثالوثیة. اللهم لا إله إله أنت الإله الحقیقی وحدک لا شریک لک، بهذا نشهد ونشهد أن المسیح عبدک ورسولک. وهذه هی شهادة الحق والحیاة الأبدیة. وهذا ما نراه فی نص الإنجیل الرابع العجیب..
1) [3: 34].
2) [5: 38].
3) [6: 29].
4) [10: 36].
5) [5: 23].
6) [7: 18].
7) [13: 16].
8) [3: 17].
9) [13: 20].
10) [17: 3].
11) [14: 26].
12) [15: 26].
13) [16: 7].
14) [5: 33].
15) [4: 38].
16) [17: 18].
17) [20: 21].