قال النصاری: إنما یکون القتل نقیصه لو أنه مضاف إلی لاهوت المسیح، و نحن لا نعتقد ذلک؛ و إنما القتل والضرب والصلب مضاف إلی ناسوت المسیح دون لاهوته.
فنقول: یمتنع ذلک علی الیعقوبیة منکم القائلین بأن المسیح قد صار بالاتحد طبیعة واحدة. إذ الطبیعة الواحدة، لم یبق فیها ناسوت متمیز عن لاهوت حتی
یخص بالقتل والإهانة. بلی قالوا: إنه صار شیئا واحدا، والشیء الواحد لا یقال إنه مات و لم یمت، و قتل و لم یقتل، و أهین و لم یهن. و أما الروم و غیرهم القائلون بأن المسیح بعد الاتحاد باق علی طبیعتین. فیقال لهم: هل فارق اللاهوت ناسوته عند القتل والصلب؟ فإن زعموا أنه فارقه؛ أبطلوا دین النصرانیة جملة، إذ بطل الاتحاد. و لا یستحق المسیح الربوبیة عندهم إلا بالاتحاد. فإذا حکموا بأن الإله قد تجرد عن الإنسان و فارقه؛ فقد بطلت ربوبیة المسیح فی ذلک الزمان. و إن قالوا: لم یفارقه؛ فقد التزموا ما ورد علی الیعقوبیة، و هو کون اللاهوت قتل بقتل الناسوت و أهین بإهانته. و إن فسروا الاتحاد بالتدرع، و هو أن الإله جعله درعا و مسکنا له و بیتا، ثم فارقه عند ورود ما ورد علی الناسوت؛ أبطلوا ألوهیة المسیح فی تیک الحال. و قلنا لهم: ألیس قد امتهن الناسوت و أهین و أرذل؟ و هذا القدر یکفی فی إثبات النقیصة إذ لم یأنف لمحله و سکنه و درعه أن تناله هذه النقائص، و إن الإنسان لیرکب دابة و یلبس ثوبا فیصونه عن الأذی والقذی أن یناله.
ثم کان اللاهوت قادرا علی دفع النقائص عن محله و مسکنة، ثم لم یفعل؛ فقد أساء مجاورته، و رضی بدخول النقص علی موضعه. و ذلک عائد بالنقص علیه فی نفسه. و إن لم یکن قادرا؛ فذلک أبعد له عن عز الربوبیة و أقرب إلی ذل العبودیة.