قال النصاری: قال یوحنا التلمیذ فی الفصل الرابع عشر من إنجیله: «من رآنی فقد رأی أبی فأنا و أبی واحد» (1).
والجواب: أن له وجوها من التأویل:
أحدها: إنه قد اعترف فی الإنجیل فی غیر موضع أنه رسول من الله إلی عباد الله. و لا شک أن رسول الملک إذا توجه إلی قطر فأبدی بعض الرعیة شماسا عن الامتثال. فیحسن منه أن یقول: أنا و من أرسلنی واحد، و من رآنی فقد رأی من أرسلنی، و من بایعنی أو عاهدنی فقد بایع و عاهد من أرسلنی و حصل له العصمة والذمام. و ذلک غیر مستنکر من الرسل والنواب والوکلاء و من ندب لسفارة و وساطة بین اثنین أو جماعة. و منه قول الله عز وجل لنبیه محمد صلی الله علیه و آله و سلم: «إنَّ الََّذِینَ یُبَایِعُونَکَ إنَّمَا یُبَایِعُونَ اللهَ یَدُ اللهِ فَوْقَ أیْدِیهِمْ(.
الوجه الثانی: أن رؤیة الصنعة تدل علی صانعها، إذ لا یتصور بناء محکم متقن إلا ببان حکیم متقن، و کلما جلت الصنعة دلت علی جلال صانعها، والمسیح لما بهر الناس بما صدر علی یدیه من العجائب و رأی التفاتهم إلیه، واشتغالهم به؛ أحب رفع هممهم إلی الله الذی هو أعلی و أجل و أحکم من کل حکیم. و قد قال فی إنجیله: «أبی أعظم منی» (2) و قال له إنسان: «یا معلم صالح. فقال: لا تقل لی صالحا، لا صالح إلا الله وحده» (3).
الوجه الثالث: المسیح کان عبرانی اللسان. والعبرانیون یعتقدون قول التوراة
فی السفر الأول منها: أن الله خلق آدم یشبهه (4)؛ قولا صحیحا، فخاطبهم السمیح بما یفهمون. و إنما أرادت التوراة: أن الله حی عالم قادر. و قد أعطی آدم هذه الصفات من الحیاة والعلم والقدرة. فکأنه یقول: من رآنی فقد رأی آدم و من رأی آدم فقد رأی الله. فحذف الواسطة.
فإن عدلوا عن هذا التأؤیل؛ لزمهم أن یکون الیهود و سائر الکفار والحمیر والکلاب قد رأوا الله. و أکذبوا التوراة والإنجیل إذ یقول: «إن الله لم یره أحد قط» (5).
1) یوحنا 14: 9 +.
2) یوحنا 14: 28.
3) متی 29: 16 – 17 «أیها المعلم الصالح. أی صلاح أعمل لتکون لی الحیاة الأبدیة؟ فقال له: لماذا تدعونی صالحا؟ لیس أحد صالحا إلا واحد؛ و هو الله«.
4) نص التوراة عن خلق آدم: «فخلق الله الإنسان علی صورته. علی صورة الله خلقه. ذکرا و أنثی خلقهم» (تکوین 1: 27(.
5) یوحنا 1: 18.
