حکی النصاری عن المسیح علیه السلام أنه قال: «لا یصعد إلی السماء إلا من نزل من السماء» (1).
والجواب من وجوه:
أحدها: أنه أشار إلی زاکی الأعمال و هی التی نزلت بالوحی مع الملائکة، و کأنه یقول: لا یصعد من الأعمال إلا ما کان خالصا قد أرید به وجه الله. قال الله تعالی: (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أبوَابُ السَّمَاءِ وَ لاَ یَدْخُلُونَ الجَنَّةَ) و قال سبحانه: (إلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمَ الطَیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ(.
الوجه الثانی: أنه لا یبادر إلی سمو الأخلاق والأعمال والأحوال إلا من له سمو و همة. مثل الحواریین الذی أجابوا داعی المسیح، من غیر تقدم رؤیة آیة، بل قال لهم: «دعوا الدنیا واتبعونی ففعلوا«.
والوجه الثالث: أنه أشار إلی الأرواح الطاهرة السماویة التی تنام علی طهارة. یؤذن لها فتعرج و تسرح ثم تعود. فإذا فارقت الجسد صعدت. أما أرواح الکفار والفجار فلا تصعد، و إذا فارقت الجسد أودعت فی الأرض السفلی؛ لأنها لم تنزل من السماء.
فإن عدلوا عن هذه الوجوه و أجروه علی ظاهره، قلنا لهم: فقد صعد إلی السماء من لم ینزل منها. و هو إدریس الذی تسمونه أخنوخ (2).
و ناسوت المسیح أیضا لم ینزل من السماء و قد صعد إلی السماء. فإما أن یتأولوا الخبر و إلا أخرجوه إلی الکذب. فإن قال النصاری: لم یزل أیشوع متجسدا. أکذبتهم نصوص الإنجیل والأمانة. إذ تقول: إنه أخذ جسده من مریم -علیهماالسلام- و قال فی الإنجیل: «هذا مولد یسوع المسیح» (3) فحکم بأنه مخلوق.
1) لوقا 9: 59 إلخ و متی 19: 28.
2) تکوین 5: 22 +.
3) متی 1: 1.