و فی هذا السفر الأول من التوراة قال موسی علیه السلام: «فلما أصبح إبراهیم أخرج هاجر و ولدها إسماعیل، و دفع لها زادا و مزادا، وانتهی فی أمرهما إلی ما أمره به ربه تعالی، فحملت الصبی علی کتفها و شخصت فوصلت إلی بریة سبع؛ فنفذ ماؤها، فوضعت الصبی تحت شجرة شیح وانتبذت عنه قدر رمیة حجر. قالت: لا أشاهد موته.
فبینا هی تبکی إذ سمع الله صوت الصبی. فنادی ملک الله هاجر من السماء فقال: ما بالک یا هاجر. لیفرج کربک و روعک. فقد سمع الله صوت الصبی. قومی فاحملیه و تمسکی به؛فإن الله جاعله لأمة عظیمة ومعظمة جدا جدا. وأن الله فتح عینیها فرأت بئر ماء؛ فدنت و ملأت لأمة عظیمة و معظمة جدا جدا. و أن الله فتح عینیها فرأت بئر ماء؛ فدنت و ملأت المزادة و شربت و سقت الصبی، و کان الله معها و مع الصبی، حتی تربی، و کان مسکنه فی بریة فاران«.
فهذه خمس و ثمانون بشارة عن الأنبیاء و أتباع الأنبیاء. و قد تضمنتها کتب الله المنزلة من لدن إبراهیم الخلیل إلی أتباع المسیح منوهة باسم محمد صریحا، واسم أرضه التی یخرج منها، و بلده التی نشأ بها. مصرحة بتعظیم شأنه، و تفخیم أمره. شاهدة بأنه علیه السلام خاتم الأنبیاء، و أنه حبیب الله و روحه، و مختاره من
عباده. معرفة العباد بعظم خطره عند الله، وزلفته لدیه، و أن دینه خیر الأدیان و شریعته خیر شریعة. و ملته أفضل ملة، و أمته أصدق أمة، و أن شریعته ناسخة لجمیع الشرائع، و أنها لا تنسخ بل تبقی ما بقیت الدنیا.
قال المؤلف: و إنما نقلت قلیلا من کثیر، و یسیرا من خطیر، و لو استوعبت. جمیع ما فی کتب الله من الإشادة بذکر المصطفی صلی الله علیه و آله و سلم و ذکر أمته؛ لأطلت الکتاب، و خرجت إلی حد الإسهاب.
فهذا هو القسم الأول من هذا الباب.
والله الموفق